سلسلة مدخل عام للكتاب المقدس - الجزء الأول مقدمة - إعلان الكتاب المقدس الشامل لن نستطيع أن نفهم ونستوعب سر الكتاب المقدس أن لم نفهم مضمونه العام وماذا يُريد الله أن يقول منه عموماً قبل أن نخوض في أي شرح أو تفسير، لأن كثيرين من المفسرين لا ينطلقون من وحدة الكتاب المقدس ككل بل ينطلقون من كل سفر وكأنه مستقل عن باقي الأسفار ويشرحونه حسب المعنى المستقل في كل آية وهذا يخرج الشرح بعيداً عن مقاصد الله المعلنة في الكتاب المقدس ككل، لذلك واجب علينا اليوم أن نفهم ما هو قصد الله من إعلان ذاته في الكتاب المقدس وما هي الوحدة التي تجمع الأسفار المقدسة، لذلك بادئ ذي بدء يلزمنا أولاً أن نتعرف على خطة الله المُعلنة في كلمته التي هي أنفاسه الخاصة كما سوف نتعرف عليها من خلال سلسلة المدخل العام للكتاب المقدس التي نشرحها من جهة الإعلان الإلهي وليس مجرد شرح وكلام، وعندما تحتضن خطة الله عقلونا وتُنيرنا ونقبلها وتنزل قلوبنا سنستنشق أنفاس الله وبها نحيا ويدخل الفرح لقلوبنا بقوة خلاص الله المتدفق من أعماقه إلينا وكل من يدخل في عمق إعلانه يأخذ ويشبع ويفرح ويدخل من عمق لعمق ومن فرح لفرح ... + إعلان الكتاب المقدس الشامل +الكتاب المقدس ككل يُعلن الآتي بترتيب فائق مُذهل لغرض اتحاد الله بالإنسان، ونستطيع أن نضع المعنى العام للكتاب المقدس في هذه النقاط: * الله مصدر كل حياة والأساس الذي يقوم عليه كل شيءوهذا الترتيب كله هو مقاصد الله وغايته المعلنة في الكتاب المقدس من أول سفر لآخر سفر فيه... ومن جهة الترتيب التاريخي الظاهر الذي يحقق كل ما قلنا ويعلنه هو كالآتي: * الخليقةفهذا كله هو منهج الكتاب المقدس ومنه ينطلق كل شرح وتفسير، إذ يشتمل على الإعلان الكامل لحقائق الكتاب المقدس، وهو يحتضن كل الجوانب العظمى للفداء، ويظهر تاريخ الإنسان الروحي ومعاملات الله مع جنس البشر ككل، ويُظهر الغرض الحقيقي من الخليقة وما هو واجب الإنسان تجاهها، وما الغرض من حياة الإنسان وهدف دعوة الله النهائية له، لأن الله لا يريد أن يقدم دعوة للإنسان لعبادته، كما يقول البعض، أو أن غرض خلقة الإنسان أن يتمتع بالوجود وأن يعبد الله، فالله ليس محتاج لعبادة أحد لأنها لا تزيده ولا تنقصه في شيء ما قط، ولم يخلق الإنسان لأجل متعة الوجود في حد ذاته، لأن حياته ستكون بلا معنى لو كان وجوده لأجل وجوده، ولكن على ما سبق وقلنا نستوعب ما هو الغرض من خلقة الإنسان ووجوده، وساترك لكل واحد أن يتأمل فيما كتبنا ويطلب إلهام الروح القدس حتى يستوعب بإعلان قصد الله من خلقه، فصلوا يا أحبائي وأطلبوا إلهام من الله حتى يعطيكم أن تستوعبوا سر خلقكم .... + الإعلان المتدرج +أن كل من يأتي للكتاب المقدس بتوبة حقيقية طالباً انفتاح الذهن بالروح: [ حينئذ فتح ذهنهم ليفهموا الكتب ] (لوقا24: 45)، معتمدين على الروح القدس طالبين الاستنارة، ستنفتح بصيرتهم الداخلية فيروا ما لا يُرى في صفحات الكتاب المقدس ويقودهم الروح القدس عبر السطور معلناً لهم أسرار الله، لأن كلمة الله كُتبت بالروح القدس ولم تكتب بآخر [ لأنه لم تأتِ نبوة قط بمشيئة إنسان بل تكلم أُناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس ] (2بطرس1: 21)، لذلك هو وحده الذي يعلن ويكشف الأسرار في كل قلب مفتوح بالحب باستنارة الذهن: [ فيعلن مجد الرب ويراه كل بشر جميعاً لأن فم الرب تكلم ] (أشعياء40: 5)، [ كل شيء قد دفع إلي من أبي وليس أحد يعرف الابن إلا الآب ولا أحد يعرف الآب إلا الابن ومن أراد الابن أن يُعلن له ] (متى11: 27)، [ وأما المعزي الروح القدس الذي سيرسله الآب باسمي فهو يُعلمكم كل شيء ويُذكركم بكل ما قلته لكم ] (يوحنا14: 26)، [ فأعلنه الله لنا نحن بروحه لأن الروح يفحص كل شيء حتى أعماق الله ] (1كورنثوس2: 10)، فمن يقرأ الكتاب المقدس ينبغي أن تكون آذانه رادار تلقط صوت الروح، وقلبه كبير متسع بالحب ليستقبل الله وإعلانه عن ذاته بالروح. وحينما ندخل للكتاب المقدس بهذا المستوى سنصل للقناعة الداخلية بأن الكتاب المقدس ليس خليطاً غير متجانس، كما يدَّعي بعض النقاد من أطياف وأفكار وفلسفات وآراء مختلفة، ويقولون بأنه عبارة عن تاريخ قديم يحتوي البعض منه على حقائق تاريخيه حقيقية وبعضها ممزوج بأساطير مختلفة مأخوذ عن حضارات وشعوب متنوعة، وبه تصورات دينية عقائدية بعيدة عن أرض الواقع، أو أفكار دينية مستقيه من شعوب أخرى وتم دمجها، وبعضه يحتوي على خرافات لا تُصدق، بل سوف يرونه بعيون الذهن المنفتح والقلب المتسع بإلهام الروح أنه كشف متدرج لخطة وغرض الله الأزلي، وأنه ارتقى بالإنسان من جيل لجيل وعصر لعصر في الإعلان والتعليم. وبكون الكتاب المقدس إعلان متدرج يظهر من بداية الخلق إلى ظهور واستعلان الله في الجسد إلى آخر سفر في الكتاب المقدس وإعلان مجيئه وظهور مجده، فيجب أن نقرأه ككل، مقارنين أجزاءه ببعضها البعض [ التي نتكلم بها أيضاً لا بأقوال تعلمها حكمة إنسانية بل بما يعلمه الروح القدس قارنين الروحيات بالروحيات ] (1كورنثوس2: 13)، نربطه كوحده واحدة لا تنفك حتى نستطيع أن نكتسب الرؤية الصحيحة والسليمة ونستوعب أسرار الله ونستطيع ان نعلنها في شرح سليم واعٍ ملهم بالروح للكتاب المقدس، لأن بسبب فصل الكتاب المقدس عن بعضه البعض وفهم نصوصه بانحياز لأفكار معينه يجعلنا نُخطأ في الشرح ونتحير في بعض النقاط إذ نفصل الآيات بعضها عن بعض وننطلق في الشرح من أساس مفهومنا الخاص عن الكتاب المقدس، ونؤيد نظريتنا من بعض الآباء أو بعض الخدام الذين شرحوا بعض النقاط حسب رأيهم الشخصي لظروف معينه لكي يثبتوا شيئاً ما كرد على فيلسوف أو غيره، بعيداً عن المعنى المقصود في وحدة الكتاب المقدس والقصد الإلهي من وراء الأحداث أو المواقف: فمثلاً لو أخذنا مثل تقدمة هابيل وقايين، وأنه نظر إلى هابيل وقربانه لأنه قدم من أبكار غنمه ومن سمانها، أما إلى قايين وقربانه الذي قدمه من ثمار الأرض فلم ينظر. فاغتاظ قايين وحمى غضبه وامتلأ حقداً وكراهية وقام وهم بقتل أخيه انتقاماً منه، وهنا يأتي السؤال : لماذا نظر الله إلى هابيل وقربانه وإلى قايين لم ينظر؟ هل لأنه – كما يقول كثير من الشُراح – لأنه قدم من ثمار الأرض ولم يُقدم ذبيحة كما يعتقد البعض؟ ومن أين له الذبيحة إن لم يكن راعياً؟ وهل كان الرب في حاجة إلى أن يروي ظمأه بقطرات دم ذبيحة من هابيل؟ أم أنه – كما يقول البعض – ينتظر ذبيحة كفارية عن قايين كما قبلها من هابيل، رغم من ان النص تكلم عن تقدمة شكر وهي موجوده في سفر اللاويين بعد ذلك مقننه بتقديم البكور، وهنا نفس ذات الموقف كل واحد فيهما قدم من بكر كل ما صنع، فالراعي قدم من ابكار غنمه وأفضلها، والزارع قدم من ابكار أرضه... وواقع الشرح الأصيل في ضوء وحدة الكتاب المقدس يقول: أن الله لا ينظر للعينين بل ينظر إلى القلب (1صموئيل16: 7) ولا يُفرق بين إنسان وإنسان بحسب تقدماته له. بل نجد الإجابة واضحة – كما سبق وشرحناها أكثر من مرة وبخاصة في موضوع الذبائح – وهي أن الله قبِلَ ذبيحة هابيل ولم ينظر إلى قايين وقربانه لأن هابيل قدمها بإيمان وشهد له أنه بار لأن بدون إيمان قلبي واعي لا يُمكن إرضاء الله بأي حال، حتى لو الإنسان قدم ذبائح الدنيا كلها وما فيها، [ أن جعت فلا اقول لك لأن لي المسكونة وملأها. هل آكل لحم الثيران أو أشرب دم التيوس ... أذبح لله حمداً وأوفِ العلي نذورك (عهودك) ... وادعني في يوم الضيق أنقذك فتُمجدني ] (أنظر مزمور 50)، وهنا كان تعليم قوي للغاية ليبدأ الله به مع كل إنسان على وجه الأرض للتعليم الصحيح الذي انطلق منه وبدأ يعلم به الإنسان وهو أن كل شيء يُقدم لله يكون من أفضل ما عند الإنسان ومقدم من قلب طاهر ونفس مستنيره بالإيمان الحي والعامل بالمحبة، وهذا ما يكشفه هذا الحدث الذي منه أنطلق التعليم في الكتاب المقدس والذي شُرح على مدى أسفاره ليثبت هذه الحقيقية، وممكن الرجوع لهذه الآيات المترابطة معه أشد الارتباط [ 1صموئيل16: 7 + 1صموئيل15 + مزمور5: 12 – 15 + مزمور51: 16 – 19 + عبرانيين 11: 4، 6 ] + عموماً يُخطأ الكثيرين في تناول الكتاب المقدس بالشرح والتفسير انطلاقاً من قبول أو تخصيص إعلان مميز لحقيقة معينة يريدون إثباتها بأية طريقة ممكنة، وهي نية سليمة وليس المقصود بها الابتعاد عن النص، ولكن إثبات فكرة معينة أو إظهار حقيقة معينة يجعل الشارح يربط آيات لا تتناسب مع بعضها لكي يقنع سامعه أو القارئ له بالفكرة التي يريد أن يطرحها ةهي تكون بذلك مقنعة جداً، وهنا يخرج عن قصد الله في الحدث ويعطي الحدث بُعداً آخر غير مقصود به تماماً، مع أنه يُريد أن يثبت فكرة صحيحة وليس خاطئة على الإطلاق.فلا يصح عموماً لأي بحث في الكتاب المقدس في أجزاءه المختلفة ونصوصه المنفصلة، مهما ما كان هاماً بل ويعلن أمور حقيقية لا غش فيها، أن يلحق الضرر بمعنى القيمة السامية لشهادته الموحدة. ففحص الكتاب المقدس بتحيز لأي فكرة أو تأكيد على معنى من وجهة نظر متحيزة تكون بالضرورة غير كاملة ولا تُظهر فكر الله الكامل والغرض من الحدث أو الموقف أو الآية، كما رأينا مثالاً في أول موقف وحدث في الكتاب المقدس وهو تقدمة هابيل وقايين، ومن هُنا نفهم لماذا الكنيسة قسمت الآباء لآباء معتبرين وألحقت باسمهم كلمة (الكبير) وآباء غير معتبرين واطلقت عليهم القديس فقط بدون كلمة الكبير، لأن بعضهم لم يلتزم بوحدة الكتاب المقدس بل كان لهم تأملات شخصية مثبته بوحدة الآيات خارج معناها العام مع أن تأملهم ليس فيه خروج عن الإيمان بل يعلن حقائق ولكنها لا تتناسب مع الشرح السليم في وحدة الكتاب المقدس ككل، غير الآباء الملتزمين بوحدة النص كما سبق وشرحنا المعنى العام في الكتاب المقدس في وحدته التي تعلن مقاصد الله ... وفي الجزء القادم سنتحدث عن الوحي الإلهي .... from †† ارثوذكس †† | |||
| |||
| |||
|
Sunday, December 4, 2011
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
0 التعليقات:
Post a Comment