خطاب الرئيس جمال عبد الناصر
في يوم وضع حجر الأساس للكاتدرائية المرقسية الجديدة في
24 يوليو 1965
أيها الإخوة:
يسرني أن أشترك معكم اليوم فى إرساء حجر الأساس للكاتدرائية الجديدة. وحينما تقابلت أخيراً مع البابا فى منزله فاتحته فى بناء الكاتدرائية، وأن الحكومة مستعدة للمساهمة فى هذا الموضوع. ولم يكن قصدي من هذا فعلاً المساهمة المادية فالمساهمة المادية، أمرها سهل وأمرها يسير، ولكنى كنت أقصد الناحية المعنوية.
هذه الثورة قامت أصلاً على المحبة وعلى الخير، ولم تقم أبداً بأى حال من الأحوال على الكراهية أو على التعصب. هذه الثورة قامت من أجل مصر ومن أجل العرب جميعاً. هذه الثورة قامت وهى تدعو للمساواة ولتكافؤ الفرص والمحبة والمساواة وتكافؤ الفرص من أول المبادئ التى نادت بها الأديان السماوية؛ لأننا بالمحبة والمساواة وتكافؤ الفرص نستطيع أن نبنى المجتمع الصحيح، المجتمع السليم الذى نريد والذى نادت به الأديان.
نادى الدين المسيحي ونادى الدين الإسلامي بالمحبة، ونادى الدين المسيحي ونادى الدين الإسلامي بالمساواة وتكافؤ الفرص، نادوا بالعمل من أجل الفقراء، ومن أجل المساكين، ومن أجل العاملين.. استنكرت الأديان الاستغلال بكل معاينة، والاستعباد بكل معانيه، وكلنا نعلم أن المسيح عليه السلام كان ضحية للاستعباد والذل؛ استعباد الاحتلال الرومانى، وذل الاحتلال الروماني، وتحمل من العذاب ما لم يتحمله بشر.
كلنا نعلم هذا، ولكنه تحمل هذا فى سبيل رسالته السماوية، وفى سبيل نشر الدعوة؛ لأن هذا العذاب وهذا الأمل جعل منه المثل الأعلى فى كل بقاع العالم.
وبعد هذا خرج المسيحيون فى كل العالم يدعون للدين الإلهى، ويتقبلون العذاب بصبر وإيمان، وكان دائماً لسانهم يدعو - رغم العذاب - إلى المحبة وإلى الإخاء.
أيها الإخوة:
على مر العصور وعلى مر الأيام وفى أيام الإسلام كان المسيحيون والمسلمون إخوة فى عهد الرسول - عليه الصلاة والسلام - وأشار القرآن إلى ذلك.
إذن الأخوة والمحبة بين المسلم والمسيحى قديمة من أيام محمد عليه الصلاة والسلام، وإذا كنا ندعو إلى تمكين هذه الأخوة وهذه المحبة فإنما نعمل بما أملاه علينا الله.. لم يدعو الله أبداً إلى التعصب ولكنه دعى إلى المحبة. وحينما دخل الإسلام فى مصر استمرت المحبة بين الأقباط وبين المسلمين، لم يحولوا عن دينهم قسراً ولا عنفاً؛ لأن الإسلام لم يعترف بالقسر، ولم يعترف بالعنف، بل اعترف بأهل الكتاب، واعترف بالمسيحيين إخوة فى الدين وإخوة فى الله.
هذا هو مفهوم الثورة للديانات؛ بالمحبة، بالإخاء، بالمساواة، بتكافؤ الفرص نستطيع أن نخلق الوطن القوى الذى لا يعرف للطائفية معنى، ولا يحس بالطائفية أبداً، . بل يحس بالوطنية؛ الوطنية التى يشعر بها الجندي فى ميدان القتال. وكما قلت لكم فى أول الثورة حينما كنا فى فلسطين، فى سنة ٤٨: كان المسلم يسير جنباً إلى جنب مع المسيحى، ولم تكن رصاصة الأعداء تفرق بين المسلم والمسيحي.
وحينما تعرضنا للعدوان فى سنة ٥٦ وضربت بورسعيد، هل فرقت قنابل الأعداء بين المسلم والمسيحى؟! إننا جميعاً بالنسبة لهم أبناء مصر، لم يفرقوا بين مسلم ومسيحى. على هذا الأساس سارت الثورة، وكنا نعتقد دائماً أن السبيل الوحيد لتأمين الوحدة الوطنية هو المساواة وتكافؤ الفرص، كان المواطنون جميعاً لا فرق بين مواطن ومواطن؛ فى المدارس الدخول بالمجموع، مش ابن فلان ولا ابن علان، ولا مسلم ولا مسيحى، أبداً. فى الجامعة الدخول بالمجموع اللى بيجيب المجموع بيدخل، إن شاء الله يطلعوا ٩٠% منهم أولاد غفر، أو أولاد فلاحين أو أولاد عمال، موضوع مش بتاعنا أبداً.. احنا عندنا مساواة، مافيش فرق عندنا بين ابن الغفير ولا ابن الوزير، دا متساوى مع دا، مافيش تمييز بين مسلم ومسيحي اللى بيجيب النمر بيدخل.
يدخلوا ٣٠% مسيحيين.. ٥٠% مسيحيين مش موضوعنا أبداً، بيدخلوا كلهم مسلمين مش موضوعنا أبداً، بيدخلوا كلهم مسيحيين مش موضوعنا أبداً.. المهم اللى يجيبوا أحسن نمر همه اللى بيدخلوا، ودى نعتقد انها شريعة العدل وشريعة المساواة.
فى التعيينات فى الحكومة فى القضاء، بالأقدمية، اللى بيجيب نمره أحسن بيروح القضاء، مانعرفش دا ابن مين ولا دا ابن مين، ولا دا دينه إيه ولا دا دينه إيه.
فى كل الوظائف نسير على هذا المنوال.
فى الترقى، جميع الترقيات فى الدولة بالأقدمية لغاية الدرجة الأولى، كل واحد بياخد دوره بالأقدمية، مافيش فرصة حتى للمتعصبين إنهم يتلاعبوا.
طبعاً دا سبيلنا، ودا سبيل الثورة، ودى الناحية المعنوية اللى أنا حبيت أبينها لكم بمساهمة الحكومة وحضورى معاكم النهارده فى إرساء حجر الأساس.
احنا كحكومة وهيئة حاكمة، وأنا كرئيس جمهورية مسئول عن كل واحد فى هذا البلد مهما كانت ديانته، ومهما كان أصله أو حسبه أو نسبه، احنا مسئولين عن الجميع، ومسئوليتنا دى احنا مسئولين عنها قدام ربنا فى يوم الحساب. طبعاً كلنا عايزين الكمال؛ والكمال لا يتحقق إلا بالنضال والكفاح. معروف عندكم المثل فى هذا فى نشأة المسيحية وفى كفاح السيد المسيح، وفى الإسلام وفى كفاح سيدنا محمد.. الكمال لم يتم حتى الآن، من آلاف السنين الإنسان يطالب بالكمال ويطالب بالمثل العليا، ولكن المجتمع فيه الطيب وفيه الخبيث، فيه السليم وفيه غير السليم.
طبيعى هذه هى المثل اللى احنا بننادى بها والمبادئ، ولكن لابد أن نجد أمامنا مشاكل وعقبات، هذه المشاكل والعقبات فى فئة المتعصبين؛ سواء كانوا مسيحيين أو كانوا مسلمين، بيخلقوا مشاكل، وكلنا بنعرف الخناقات اللى بتحصل فى بعض القرى وفى بعض الأماكن، وبيطلع واحد متعصب مسلم يثير الناس، أو يطلع واحد متعصب مسيحى يثير الناس، ونبص نلاقى الإخوات ابتدوا يعادوا بعض ويخانقوا بعض. ولكن - الحمد لله - هذه الحوادث، حوادث قليلة جداً، ولكن نرجو ألا ينعكس صدى هذه الحوادث القليلة علينا وناخدها كمثل عام أبداً.
احنا علينا واجب ان احنا ندعو المتعصبين إلى الهداية؛ سواء كانوا مسلمين أو كانوا مسيحيين، علينا واجب ازاى؟ إذا وجدنا المتعصبين مسلمين وشادين، المسيحيين ما يشدوش، وإذا وجدنا المسيحيين المتعصبين وشادين، المسلمين ما يشدوش، وأنا باعتبر دى قضية وطنية وقضية بناء المجتمع.. العقلاء يستطيعوا انهم يحلوا هذه المشاكل الصغيرة - أنا باتكلم فيها بصراحة - اللى بتظهر كل عدة أشهر فى مكان ناء، أو قرية صغيرة، أو مكان من الأمكنة.
طبعاً خلق العالم وخلق معه التعصب والمتعصبون، وسينتهى العالم وحيفضل معاه - حتى ينتهى - التعصب والمتعصبون.
دا موضوع لن ينتهى أبداً، ولكن علينا احنا ان احنا العقلاء منا، إنهم يخففوا من غلواء التعصب والمتعصبين، وباقول لكم: فيه متعصبين مسلمين وفيه متعصبين مسيحيين، ولكن المتعصب المسلم لا يمثل اتجاه المسلمين أبداً، والمتعصب المسيحى لا يمثل اتجاه المسيحيين أبداً.. كل دول شواذ، ونحن نفخر ونحمد الله ان بلدنا ليست فيها طائفية أو تعصب وانقسام. اللى باتكلم عليه دا حوادث فردية صغيرة، ولكن زى ما باقول احنا عايزين الكمال؛ وعلشان كده أنا باتكلم عليه بوضوح، وباتكلم عليه بصراحة.
عايزين الكمال، وعايزين الوحدة الوطنية اللى بنيت بالدم سنة ١٩ وقبل سنة ١٩ تتدعم وتقوى، وعايزين كل واحد فى بلدنا يثق بنفسه ويثق ان البلد بلده؛ بلد المسلم وبلد المسيحى ١٠٠%.. كل واحد منهم له الفرصة المتساوية المتكاملة، الدولة لا تنظر والمجتمع لا ينظر إلى الدين، ولا ينظر إلى الأب، ولا ينظر إلى الأصل، ولكنه ينظر إلى العمل وإلى الجهد، وإلى الإنتاج، وإلى الأخلاق.
وبهذا نبنى فعلاً المجتمع الذى نادت به الأديان السماوية التى نص الميثاق على احترامها.
أرجو الله أن يدعم المحبة بين ربوع هذا الوطن، وأن يدعم الإخاء، وأن يوفقكم جميعاً.
والسلام عليكم ورحمة الله،،،
0 التعليقات:
Post a Comment