Tuesday, March 21, 2017

جديد ارثوذكس : القبلة الأبوية، محبة ابدية أحببتك - وجه جديد لمثل الابن تارك بيت أبيه الجزء الثالث



الابن الضال وسرّ السقوط ورحلة العودة (لوقا 15)
(الجزء الثالث القبلة الأبوية – محبة أبدية أحببتك لذلك أدمت لك الرحمة)

+ فَقَامَ وَجَاءَ إِلَى أَبِيهِ. وَإِذْ كَانَ لَمْ يَزَلْ بَعِيداً رَآهُ أَبُوهُ فَتَحَنَّنَ وَرَكَضَ وَوَقَعَ عَلَى عُنُقِهِ وَقَبَّلَهُ.
_____ إيجابية التوبة _____
الابن هنا لم يجلس يفكر في الأمر ويُقلبه على كل وجه ويفتش عن كلمات وأعذار أو انحصر في مشكلته وظل يبكى عليها وينوح، بل أهمل وترك كل حياته القديمة وراء ظهره تماماً ولم يفكر بها وتحرك بجدية وقام ليبدأ فعلياً في رحلة العودة إلى أبيه، لذلك فأن كل تباطؤ في التوبة والتفكير الكثير في الحال السيء الذي وصلنا إليه في أرض التغرب عن الله الحي سيثبط من عزيمة النفس ويعوقها ويعطل التحرك والقيام والحضور أمام الله الحي أبينا وسيد كل أحد، لأن أحياناً كثيرة ننشغل بالتفكير كيف فعلت هذا ولماذا ونظل نبكت أنفسنا ونحزن ونقول أننا غير مستحقين ولا يُمكن أن نفلح في الحياة الروحية، وكيف أن الله يقبلنا بعد أن فعلنا كل قُبح في عينيه وارتكبنا شروراً هذه مقدارها، وكل هذا نتيجة خداع الخطية والانحصار في حال السقوط، لذلك فهي خاطئة جداً لأن مشكلتها في حالة اليأس التي تضرب به الإنسان عميقاً حتى يصير مُعاقاً عن الحركة، وهذا يُسمى شلل روحي يجعل الإنسان يُقيد مكانه بلا حراك ويظل مشغولاً بأفكار مُدمرة لنفسيته وخانقة لروحة حتى يُصاب باليأس الشديد مع الفشل والجمود في مكانه ليدخل في حالة من الصراع قد يصل لحد المرض النفسي والكآبة الشديدة، لأنه لا زال يحيا في نفس الدائرة مثل من يسبح في البحر وسط دوامة عظيمة ويظل يقاومها بلا طائل حتى يتعب بشدة وتخونه عضلات جسده بسبب إرهاقها الشديد لتصل لحد التمزق ثم تأخذه الدوامة وتسحبه لأسفل حتى تخنقه وتقتله، لكن الابن هنا نجده انه تحرك فعلياً ونهض وقام ليذهب لأبيه وهذه حالة إيجابية صحيحة وصحية، فهو لم يقف عند حد اعترافه انه أخطأ بينه وبين نفسه، بل أراد ان يضع الاعتراف بين يدي أبيه الصالح لأن هدفه أن يعود لبيته الحقيقي تحت أي وضع أو صورة، وهذا هو الاعتراف الحسن والسليم وهو حينما نقف بين يدي الله ونعترف أمامه – وليس أمام أنفسنا ونفكر في أفعالنا المُشينة – بغرض أن نعود للحضن الأبوي ونحيا حياة الشركة الحقيقية مع الله والقديسين في النور، لأن هذا هو هدف التوبة الحقيقي وفعلها الإيجابي.
+ عد إلي العلي وتجنب الإثم وأبغض بكل قلبك ما يبغض. (سيراخ 17: 26)
+ اِرْحَمْنِي يَا اللهُ حَسَبَ رَحْمَتِكَ. حَسَبَ كَثْرَةِ رَأْفَتِكَ امْحُ مَعَاصِيَّ. اغْسِلْنِي كَثِيراً مِنْ إِثْمِي وَمِنْ خَطِيَّتِي طَهِّرْنِي. لأَنِّي عَارِفٌ بِمَعَاصِيَّ وَخَطِيَّتِي أَمَامِي دَائِماً. إِلَيْكَ وَحْدَكَ أَخْطَأْتُ وَالشَّرَّ قُدَّامَ عَيْنَيْكَ صَنَعْتُ. (مزمور 51: 1 – 4)
+ أَعْتَرِفُ لَكَ بِخَطِيَّتِي وَلاَ أَكْتُمُ إِثْمِي. قُلْتُ: أَعْتَرِفُ لِلرَّبِّ بِذَنْبِي وَأَنْتَ رَفَعْتَ أَثَامَ خَطِيَّتِي. (مزمور 32: 5)
+ إِنِ اعْتَرَفْنَا بِخَطَايَانَا فَهُوَ أَمِينٌ وَعَادِلٌ، حَتَّى يَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَيُطَهِّرَنَا مِنْ كُلِّ إِثْمٍ. (1يوحنا 1: 9)
___ الأب لم يبحث أو يفتش عن ابنه _____
وعلينا هنا أن نلاحظ شيء في منتهى الأهمية، وهو عدم خروج الأب – منذ البداية – للبحث عن ابنه، لأن هناك فرق عظيم بين حالة إنسان تائه ضال عن الطريق ولا يعرف طريق العودة، وبين من خرج عن إرادة وإصرار ويعرف الطريق، لأن من الواضح هنا أن الابن منذ البداية هو الذي خرج بإرادته بكامل وعيه، وعندما فكر في العودة كان يعرف الطريق المؤدي لبيت أبيه وبكل دقة، فالله يُفتش ويبحث عن الضال التائه ليُحضره لمنزله ويرفعه لمرتبة البنين، أما من ابتعد بإرادته وتركه بكامل وعيه، فهو ينتظره بشغف ويتابع أخباره من بعيد ولكنه لن يذهب ليأتي به ويحضره لبيته، لأنه كما ابتعد بإرادته لا بُدَّ من أن يعود بكامل إرادته، لأنه لو ذهب إليه فأنه مهما ما توسل إليه لكي يعود لمكانته الأولى وهو ليس في عوز وحاجة لأبيه يشعرها في نفسه فأنه لن يعود قط، لكن حينما يشعر أنه في حاجة شديدة إليه ويعرف مدى خسارته الفادحة وانه أخطأ بإرادته تاركاً بيته ومكانه الطبيعي فأنه سيعود من نفسه مقرراً أن لا يترك بيته ومكانه مرة أخرى، وسيجد أن ابيه ينتظره بكل شوق ولهفة أبوية فائقة.
_____ استقبال غير متوقع، محبة أبدية أحببتك ______
ونلاحظ هنا أن الابن في تفكيره أنه يقترب من أبيه ويقف على بابه قارعاً صارخاً باعترافه امامه لكي يتوسل إليه أن يعيده، لكنه لم يكن يتوقع انتظار أبيه ولا ترحيبه الشديد ليصل لحد الاحتفال بعودته، وهذا واضح من كلماته التي عزم أن ينطق بها أمام أبيه، لكن ما حدث كان مُذهلاً: وَإِذْ كَانَ لَمْ يَزَلْ بَعِيداً رَآهُ أَبُوهُ فَتَحَنَّنَ وَرَكَضَ وَوَقَعَ عَلَى عُنُقِهِ وَقَبَّلَهُ.

فالابن الخاطئ الذي شرد وترك بيت أبيه بإرادته عن قصد وبكامل وعيه وحريته التي لم يتدخل فيها أبيه ولم يمنعه، وهو لا زال بعيداً لم يقترب بعد، رآه أبوه لأنه يعرف ملامحه منتظراً عودته، فأنَّتْ عليه أحشاء أبوته الحانية فركض بفرح محبة الأبوة الصادقة ليحتضنه بقوة ويضمه لصدره ويقبله، ولو ان الابن نفسه كان يتوقع عقوبة، لكن يا لعظمة ما وجده: "قُبلة"،
وهذا هو العجب، لأننا كلنا حينما نحاول أن نقترب من الله الحي نظن أنه سيعاقبنا على خطايانا ويجلدنا وينهال علينا بتأديبات قاسية، فنخاف خوفاً عظيماً من أن نقترب منه، لكن حينما نجازف ونقول الوقوع في يد الرب خير من هذا العذاب في الشرّ وحياة الفساد والهبوط للتراب وضياع كرامة النفس، ونقترب منه بثقة الإيمان الحي ونرتمي بين يديه، نُفاجئ بحالة السلام التي تحل في قلبنا وشعور خفي مفرح يتخلل ظلمة تفكيرنا الخاطئ المحصور في العقوبة، لأن هذه هي معاملات ابوة الله الحانية: "فتحنن – ووقع على عنقه وقبله"
لأن أي طبيب هذا الذي يأتيه مريض فيُعيره بمرضه أو يبكته عليه، أو أي أب هذا الذي يجد ابنه مجروحاً مصاباً، وينزف ونفسه مكسورة، ثم يبكته أو يعاقبه، لأن الطبيب يُعالج المريض، والأب بكل إشفاق المحبة الخالصة يمد يده ليضمد جروح ابنه الأغلى عنده من نفسه، لأننا رأينا محبة الله الفائقة معلنه لنا في ملء الزمان لأنه مكتوب:
+ لأَنَّهُ هَكَذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ (يوحنا 3: 16)
+ وَلَكِنَّ اللهَ بَيَّنَ مَحَبَّتَهُ لَنَا لأَنَّهُ وَنَحْنُ بَعْدُ خُطَاةٌ مَاتَ الْمَسِيحُ لأَجْلِنَا (رومية 5: 8)
فالرب لم ينتظر توبتنا ثم مات لأجلنا، بل ونحن لانزال خُطاة تحت نير الشهوات مات المسيح لأجلنا وقام لأجل تبريرنا، لأن شخص ربنا يسوع المسيح لم يأتي ليُدين بل ليُخلِّص العالم (يوحنا 12: 47)، لذلك قيل في المثل "وَإِذْ كَانَ لَمْ يَزَلْ بَعِيداً"،
فانتبهوا يا إخوتي جداً لتعبيرات الرب الدقيقة في هذا المثل الذي هو بمثابة الرجاء الحي لكل من أخطأ عن قصد وأراد أن يتوب بالصدق والحق، فهنا إعلان إلهي فائق عن محبة الله المتسعة التي تفوق كل مداركنا ومعرفتنا، لأن غفرانه ليس غائب ولا ينتظر أن نعود ونعمل شيئاً لنستحق عليه غفرانه ومسامحته، بل هو نفسه يتعامل معنا كأبٍ حقيقي يقدم ذاته ويبذلها لأجلنا فعلياً لكي يضمد جروحنا ويقدم لنا ترياق الخلود ليطرد منا الموت والفساد ويعطينا باسمه حياة أبدية ثابتة لا تزول مهما ما تعثرت خطواتنا، لأن طالما اقتربنا منه واصبحنا نمسك بيده فمن هذا الذي يستطيع أن يخطفنا منه، أو يحرمنا شركته !!!
فمن أنا ومن أنت!! خطاة.. معجونين بشهوات وغرور فساد هذا العالم والموت يسيطر علينا بالتمام ويحاصرنا من كل جانب ولا يوجد مفر وقد ضاع منا المهرب، ولا نجد أمل فينا ولا رجاء أو حياة، حسناً هذا نحن فعلياً فُجار ومملوئين فسقاً، لكن لنا فرح آخر لا يعرفه كل من ينحصر في طبيعة إنسانيته الساقطة، لأن لنا أب فاتح ذراعيه يترقب عودتنا إليه، لأنه بمجرد رؤية نيتنا فأنه يحتضنا لأنه يقبلنا كما نحن بدون تزويق ولا نفاق، بل كما نحن على علاتنا يقبلنا، خطاة أثمه يرانا نأتي من بعيد يركض نحونا لأننا عدنا إليه وطلبناه بكل قلبنا، ويعطينا قبلة ابوية صادقة تُريح النفس المتعبة وتهدأ روعها وتشعرها بالطمأنينة والأمان التي كانت محرومة منه بل ولا تعرفه في تغربها عنه.
+ أفأنت إذاً خاطئ وترى نفسك لا تستحق شيءٌ وترى دينونتك حاضرة أمام عينيك، فقط ارفع قلبك لله الحي وستجد قبلتك الخاصة تنتظرك، لأن كل واحد فينا له قبلته الخاصة من أبيه، لأن كلنا أعزاءه الأخصاء لأنه هو مصدر حياتنا، لأنه هو من جبلنا على غير فساد، والموت الذي دخل إلى العالم بحسد إبليس هدمه بالظهور المُحيي الذي لابنه الوحيد شخص ربنا يسوع المسيح، فلماذا إذاً نخاف أن نأتي لأبي الأنوار باسم خلاصنا شخص ربنا يسوع المسيح:
+ اسمه يسوع لأنه يخلص شعبه من خطاياهم (متى 1: 21)
+ فإذ لنا أيها الإخوة ثقة بالدخول إلى الأقداس بدم يسوع (عبرانيين 10: 19)
+ وَلَكِنِ الآنَ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ، أَنْتُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ قَبْلاً بَعِيدِينَ صِرْتُمْ قَرِيبِينَ بِدَمِ الْمَسِيحِ. (أفسس 2: 13)
+ فَكَمْ بِالْحَرِيِّ يَكُونُ دَمُ الْمَسِيحِ، الَّذِي بِرُوحٍ أَزَلِيٍّ قَدَّمَ نَفْسَهُ لِلَّهِ بِلاَ عَيْبٍ، يُطَهِّرُ ضَمَائِرَكُمْ مِنْ أَعْمَالٍ مَيِّتَةٍ لِتَخْدِمُوا اللهَ الْحَيَّ! (عبرانيين 9: 14)
+ ولكن ان سلكنا في النور كما هو في النور فلنا شركة بعضنا مع بعض ودم يسوع المسيح ابنه يطهرنا من كل خطية (1يوحنا 1: 7)
_____ يتبع _____


via †† ارثوذكس †† http://ift.tt/2mpcDsn

0 التعليقات: