Wednesday, March 14, 2018

جديد ارثوذكس : في المواجهة مع الوصية - الإنسان ما بين واقع الخبرة الروحية ووهم معرفة الله


في واقع خبرة الحياة الروحية،
حينما نقف بصدق أمام وصية الإنجيل، ونتواجه مع كلام المسيح الرب فأننا في الحقيقية نُصدم من صعوبة كلماته على مستوى التنفيذ، وذلك لأننا نقف ما بين إنسانيتنا الضعيفة وبين قوة الله الظاهرة في الوصية، وحينما نحاول أن نجمع شتات أنفسنا لنتممها ونحيا بها بقدر إمكانيتنا وعلى حسب طاقتنا، فنجدنا لا نستطيع أو نقوى على أن ننفذ شيئاً منها، وان غصبنا أنفسنا وحاولنا بكل إمكانيتنا الطبيعية، فأننا ننهار ونسقط تحت وهق نفسي قد يُحطمنا، يا إما بسبب الفشل الذي يؤدي بترك حياتنا الروحية كلها والتخلي عن الصلاة والإنجيل ونترك التفكير في الله من أساسه، أو بسبب الصعوبة والثقل الشديد الذي يجعلنا نُدرك أنها تفوق كل إمكانياتي وقدراتي الإنسانية.
كما أن هناك بعضاً من الناس
حينما وقفوا أمام الوصية وحاولوا تنفيذها كحرف فشلوا تماماً، وسقطوا في حالة الرياء لأن صار لهم صورة التقوى وينكرون قوتها، والبعض الآخر حينما حاول أن يكون صادقاً انهارت نفسيته فمرضت، وعاش في حالة من التعقيدات التي أفسدت حياته كلها، لأنه لم يستطع أن يحيا لله ولا للعالم، وهذه المشاكل تظهر دائماً في المتدينين الذين يعيشون بإنسانيتهم الأرضية الطبيعية كل ما هو سماوي ويناسب طبيعة السمائيين.
لأن من المستحيل جمع المتضادين،
لأنه يوجد هوة عظيمة بين كل ما هو أرضي وما هو سماوي، لأن الذي من الأرض يحيا حسب قانون الحسيات والجسديات الذي بطبيعتها متغيرة وتسير نحو الموت والفناء، أما الذي من السماء يحيا بشكل سماوي يميل ويسير نحو الحياة الأبدية التي ليس فيها ظُلمة ولا فناء ولا موت، بل خلود وحياة أبدية مقدسة نورانية، لذلك الرب قال: اَلَّذِي يَأْتِي مِنْ فَوْقُ هُوَ فَوْقَ الْجَمِيعِ وَالَّذِي مِنَ الأَرْضِ هُوَ أَرْضِيٌّ وَمِنَ الأَرْضِ يَتَكَلَّمُ. اَلَّذِي يَأْتِي مِنَ السَّمَاءِ هُوَ فَوْقَ الْجَمِيعِ (يوحنا 3: 31)
لذلك فأنه في الواقع،
الإنسان وهو في حالة حياته الأرضية الطبيعية فأنه – طبيعياً – لا يفهم ما لله، بل ولا يستطيع، لذلك يقول الرسول عن خبرة: وَلَكِنَّ الإِنْسَانَ الطَّبِيعِيَّ لاَ يَقْبَلُ مَا لِرُوحِ اللهِ لأَنَّهُ عِنْدَهُ جَهَالَةٌ وَلاَ يَقْدِرُ أَنْ يَعْرِفَهُ لأَنَّهُ إِنَّمَا يُحْكَمُ فِيهِ رُوحِيّاً (1كورنثوس 2: 14)، وهذا كان واضحاً جداً في كلام الرب مع نيقوديموس: إِنْ كُنْتُ قُلْتُ لَكُمُ الأَرْضِيَّاتِ وَلَسْتُمْ تُؤْمِنُونَ فَكَيْفَ تُؤْمِنُونَ إِنْ قُلْتُ لَكُمُ السَّمَاوِيَّاتِ؟ (يوحنا 3: 12)
طبعاً ليس معنى الكلام هنا
أن الإنسان لا يفهم مخارج الألفاظ أو لا يعي معنى الكلمات، لأن ربما يفهم كلمات الإنجيل ونطق الرب على مستوى استنارة المعرفة الفكرية، لكن ليس على مستوى استنارة عين الذهن الداخلية من جهة الانفتاح على نور وجه الله، لأن هناك فرق عظيم بين استنارة العقل من جهة المعرفة وحفظ واستذكار المعلومات، وشرح وتفسير كلمات الرب على مستوى دراسة اللغة وفهم وإدراك الكلمات حسب ذكاء الإنسان وفطنته، وبين انفتاح الذهن بالروح ورؤية الله متجلي في كلمته يشع منها نور يُهدي الإنسان لطريق البرّ ويبث فيه حياة الله ويشهد في قلبه الروح القدس أنه ابناً لله في الابن الوحيد وارثاً معه كل شيء، إذ يدخل في سر التجديد فيتغير عن شكله بتجديد ذهنه ويتخبر إرادة الله الصالحة المرضية الكاملة، وينمو في برّ الإيمان متوقعاً التبني فداء الجسد، وعنده وعي بالسماويات من جهة التذوق الاختباري، فهو يعرف الله القدوس على مستوى الروح والحق، ويحيا في النور كإنسان مولوداً من فوق متذوقاً وناظراً ما أطيب الرب.
فيا إخوتي الوصية نور يكشف القلب،
لأنها مثل الإشاعة التي تكشف أمام الطبيب والمريض ما هي حالته على وجه الدقة، وأيضاً مثلما يفحص الفلاح ثمار الأشجار ومن خلالها يعرف حال الشجرة مميزاً بين الأشجار الصالحة وبين الأشجار التالفة، ومن هنا نعرف حالنا وما نحن في حاجة إليه، وصدقوني وصية الله لا تحتاج لعباقرة ولا فلاسفة ولا دارسين، بل تحتاج قلوب صادقة أمينة منفتحة لاستقبال قوة الله التي تحملها، فينبغي أن نكون أمناء أمام كلام شخص ربنا يسوع، ولا نحيا في الخيال ونصدق أننا نحيا لهُ بمعرفتنا وتحليلنا العقلي لكلمته.
فالوصية من جهة الواقع صعبة حقيقي،
والهروب من مواجهة هذه الحقيقة سهل للغاية، لأن كثيرين يهربون منها بدراستها ومعرفتها وقد صاروا بارعين في شرحها وتفسيرها، وبذلك فلتت منهم قوتها المُخلِّصة، فعوضاً من أن يخضعوا لله ويطلبوا حياة التجديد بالروح القدس حسب مشيئته، فأنهم يهربون بالمعرفة التي تُدخلهم في وهم حالة التبني ومعرفة الثالوث القدوس، لأنها صارت عندهم فلسفة كلام إنسانية مقنع، وتغربوا عن برهان الروح والقوة.
فلننتبه لأن القلب نجيس ومخادع وأخدع من كل شيء،
فممكن يخدع الإنسان نفسه حتى أنه يظن أنه أصبح قديساً يحيا الوصية ويُمارس الشعائر الدينية ويقوم بكل واجبة الروحي كما ينبغي، ويجلس على كراسي التعليم، وهكذا تمر الأيام وتفوت السنين وعند أول محك يظهر فيه ضيق لأجل الكلمة والحياة مع الله، في داخله يظهر غليان فائق كالطوفان وتسقط القشرة الخارجية، ويصرعه الواقع العملي المُعاش لأنه يجد نفسه يواجه تقلبات المجتمع والناس من حوله، فتسقط عنه شكل الوصية المُحتمي فيها، وتظهر حقيقة الداخل أن الوصية لم تكن تسكن قلبه وفكره كما ادَّعى، ويظهر حقيقة الشكل الذي كان مختفي فيه، فيظهر عُريه من النعمة التي ظن أنها تملأ قلبه بسبب معرفة الكتب وقدرته البحثية في الكتب، وقدرته على الكلام والوعظ والتعليم.
يا إخوتي في حقيقة إعلان الإنجيل
فأن الوصية لا تُعاش أبداً بإمكانيات الإنسانية الساقطة، هذا يستحيل على الإنسان الطبيعي الذي اختبر السقوط، لذلك الرب حينما أتى لم يأتي بمجرد وصايا لنحياها من الخارج، ودليل كلامي ظاهر في الرسل أنفسهم قبل أن يسكن فيهم الروح القدس يوم الخمسين، لأن القديس بطرس في جثسيماني استل سيفاً وقطع أذن عبد رئيس الكهنة، وكل الرسل بعد ذلك هربوا ولم يستطيعوا أن يواجهوا الصليب، وكل هذا بسبب إنسانيتهم الضعيفة الساقطة التي لم تدخل بعد في قوة قيامة يسوع، أي لم يحصلوا على الخليقة الجديدة التي في المسيح يسوع ربنا.
لذلك يا إخوتي علينا أن نُدرك ونعي
أن نطق الرب بالوصية هو عملية مواجهة مع الإنسان لتكشف عن طبيعته، هل هو يحيا بالإنسان العتيق الذي يُعاكس وصية الله ولا يحتملها، أم يحيا بالإنسان الجديد الذي يتجدد كل يوم حسب صورة خالقه، لذلك النفس دائماً موضوعه بين اثنين، وهما الجسد، أي الإنسان العتيق بكل قدراته، وبين الروح أي الحياة بحسب الإنسان الجديد في المسيح يسوع، أي المولود من الله، لذلك حسب ما تنحاز النفس وتخضع له تُكتب سيرتها، فيا إما في السماء بالروح، يا إما بالجسد على الأرض:
+ لأن الجسد يشتهي ضد الروح والروح ضد الجسد وهذان يقاوم أحدهما الآخر حتى تفعلون ما لا تريدون؛ فالمولود من الجسد جسد هو والمولود من الروح هو روح؛ لأن من يزرع لجسده فمن الجسد يحصد فساداً، ومن يزرع للروح فمن الروح يحصد حياة أبدية (غلاطية 5: 17؛ يوحنا 3: 6؛ غلاطية 6: 8)
لذلك علينا أن نكون صادقين مع أنفسنا جداً،
من أجل حياتنا الأبدية ونعي بأي روح نعيش ولمن نعيش، وبأي قانون نحيا، هل بقانون الإنسان الجديد والحياة في المسيح، أم بقانون الجسد وحسب إنسانيتنا الساقطة التي تعيش تحت ضعف وغير قادرة على الحياة بالروح، وحذاري أن أحد منا يعيش باختلاط بين حياتين، لأنه مكتوب: ليس أحد يضع رقعة من ثوب جديد على ثوب عتيق وإلا فالجديد يشقه والعتيق لا توافقه الرقعة التي من الجديد (لوقا 5: 36)، ومن هنا يظهر سرّ عدم قدرتنا لقبول الوصية أو حمل الصليب، وايضاً يظهر لماذا تتمزق الحياة بسبب الخلط الذي يتم ما بين ترقيع إنسانيتنا الساقطة بما هو جديد.
فمثلاً لو كان هناك إنساناً بسيطاً
له قسط من التعليم ويعرف يقرأ ويكتب ويحيا في قرية صغيرة لا يعرف أحد فيها كيف يقرأ ويمتدحونه لعلمه الغزير وفهمه العميق للأشياء فيلجئون إليه في كل كبيرة وصغيره، وحينما سمع عن مدينة العلماء ترك مدينته ومكانه وذهب إليها، ودخل المدينة بتباهي عظيم، لكن عند الجلوس وسطهم افتضح أمره وسقط افتخاره، لأنه لا يفقه ما يقولونه، لأنهم يفوقونه علماً وفي هذه الحالة لم ينفعه افتخاره ولا حكمته التي يراها في نفسه، هكذا كل واحد فينا، لا يقدر أن يرتفع للعلو الحلو الذي للقديسين أن لم يكن متذوقاً النعمة السماوية، حاصلاً على قوة الله من الأعالي، ودليل هذا هو حفظ الوصية وبخاصة المحبة التي تُظهر هل هذا من الله أم لم يعرفه قط، وما زال تحت إنسانيته المسكينة لا يقدر أن يرتفع لمستوى رؤية الإلهيات وتذوق الحياة الأبدية وقوات الدهر الآتي بسبب فقدان الحس الروحي وانطفاء نور الذهن.
يا إخوتي انتبهوا لحياتكم الأبدية ولا تدعوا قلوبكم تخدعكم
فلا تنخدعوا باسم المعرفة التي أصابت هذا الجيل في مقتل، حتى فقدوا الحس الروحي ولا يستطيعوا أن يميزوا بين الخير الذي حسب مشيئة الله والشرّ المتخفي في صورة وشكل التقوى، ولا يستطيعوا أن يميزوا صوت الله والتعليم حسب التقوى والحياة بالبرّ وبين فكرهم وآرائهم الشخصية والتعليم حسب فلسفة الفكر وآراء الناس.
لَكِنَّنَا نَتَكَلَّمُ بِحِكْمَةٍ بَيْنَ الْكَامِلِينَ وَلَكِنْ بِحِكْمَةٍ لَيْسَتْ مِنْ هَذَا الدَّهْرِ وَلاَ مِنْ عُظَمَاءِ هَذَا الدَّهْرِ الَّذِينَ يُبْطَلُونَ. بَلْ نَتَكَلَّمُ بِحِكْمَةِ اللهِ فِي سِرٍّ: الْحِكْمَةِ الْمَكْتُومَةِ الَّتِي سَبَقَ اللهُ فَعَيَّنَهَا قَبْلَ الدُّهُورِ لِمَجْدِنَا. الَّتِي لَمْ يَعْلَمْهَا أَحَدٌ مِنْ عُظَمَاءِ هَذَا الدَّهْرِ، لأَنْ لَوْ عَرَفُوا لَمَا صَلَبُوا رَبَّ الْمَجْدِ. بَلْ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: «مَا لَمْ تَرَ عَيْنٌ وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى بَالِ إِنْسَانٍ: مَا أَعَدَّهُ اللهُ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَهُ». فَأَعْلَنَهُ اللهُ لَنَا نَحْنُ بِرُوحِهِ. لأَنَّ الرُّوحَ يَفْحَصُ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى أَعْمَاقَ اللهِ. لأَنْ مَنْ مِنَ النَّاسِ يَعْرِفُ أُمُورَ الإِنْسَانِ إِلاَّ رُوحُ الإِنْسَانِ الَّذِي فِيهِ؟ هَكَذَا أَيْضاً أُمُورُ اللهِ لاَ يَعْرِفُهَا أَحَدٌ إِلاَّ رُوحُ اللهِ. وَنَحْنُ لَمْ نَأْخُذْ رُوحَ الْعَالَمِ بَلِ الرُّوحَ الَّذِي مِنَ اللهِ لِنَعْرِفَ الأَشْيَاءَ الْمَوْهُوبَةَ لَنَا مِنَ اللهِ. الَّتِي نَتَكَلَّمُ بِهَا أَيْضاً لاَ بِأَقْوَالٍ تُعَلِّمُهَا حِكْمَةٌ إِنْسَانِيَّةٌ بَلْ بِمَا يُعَلِّمُهُ الرُّوحُ الْقُدُسُ قَارِنِينَ الرُّوحِيَّاتِ بِالرُّوحِيَّاتِ. وَلَكِنَّ الإِنْسَانَ الطَّبِيعِيَّ لاَ يَقْبَلُ مَا لِرُوحِ اللهِ لأَنَّهُ عِنْدَهُ جَهَالَةٌ وَلاَ يَقْدِرُ أَنْ يَعْرِفَهُ لأَنَّهُ إِنَّمَا يُحْكَمُ فِيهِ رُوحِيّاً. وَأَمَّا الرُّوحِيُّ فَيَحْكُمُ فِي كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ لاَ يُحْكَمُ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ. (1كورنثوس 2: 6 15)


via †† ارثوذكس †† http://ift.tt/2FBAfUB

0 التعليقات: