Sunday, May 27, 2018

جديد ارثوذكس : تكريس القلب، يَا ابْنِي أَعْطِنِي قَلْبَكَ وَلْتُلاَحِظْ عَيْنَاكَ طُرُقِي



تكريس القلب

يَا ابْنِي أَعْطِنِي قَلْبَكَ وَلْتُلاَحِظْ عَيْنَاكَ طُرُقِي
(أمثال 23: 26)
(موضوع مسلسل عن تكريس القلب حسب الإنجيل)
(سيتم وضع كل يوم جزء وعند انتهاء الموضوع سيتم فتحه للتعليقات)

(أولاً تمهيد)
الحياة السليمة مع الله لا تستقيم أو تستمر سوى بالتكريس، والتكريس الحقيقي ليس مجرد شكل مظهري خارجي، بل لهُ أصل وأساس، لأن التكريس الخارجي بدون تكريس داخلي يُعتبر مجرد مظهر كاذب ليس لهُ أي قيمة تُذكر، وكل ما يأتي به من ثمر هو مديح الناس، ومحصلته النهائية الكبرياء، لذلك علينا أن نعي أن التكريس الحقيقي وهو تكريس الداخل بصدق الإيمان الحي العامل بالمحبة، أي تكريس القلب لله.
وهذا التكريس القلبي هو أساس وقاعدة الحياة الواقعية مع الله، لأن بدونه لن نستطيع أن نسير في الطريق السماوي بجدية لنوال المجد الإلهي والسكنى الدائمة مع الله إلى الأبد، أو الحصول على تحقيق الوعد الذي وعدنا به وهو الحياة الأبدية، بل ستظل محصورة في معرفة المعلومة كمجرد فكرة حلوة تعجبنا وتشدنا، ولكنها تظل فكرة ولن تتحول لواقع في حياتنا العملية، وبالتالي لن تسعفنا وقت الشدة أو الضيق أو في حالة شدة التجارب التي نمر بها.
وتعبير القلب القصد منه بحسب الإنجيل:
[أَنَّهُ مِنَ الدَّاخِلِ مِنْ قُلُوبِ النَّاسِ تَخْرُجُ الأَفْكَار؛ فَإِنَّهُ مِنْ فَضْلَةِ الْقَلْب يَتَكَلَّمُ الْفَمُ. اَلإِنْسَانُ الصَّالِحُ مِنَ الْكَنْزِ الصَّالِحِ فِي الْقَلْب يُخْرِجُ الصَّالِحَاتِ، وَالإِنْسَانُ الشِّرِّيرُ مِنَ الْكَنْزِ الشِّرِّيرِ يُخْرِجُ الشُّرُور] (مرقس 7: 21؛ متى 12)، والقصد هو أعماق الإنسان الداخلية الخفية والغير ظاهرة، أي إنسان الباطن، فالقلب تعبير عن مركز شخصية الإنسان الداخلية، أو يُمكننا أن نقول أنه الجانب الروحي العميق من الإنسان، أي هو أساس شخصية الإنسان، أي أنه مركز التفكير والمشاعر الحقيقية والرغبات والميول الخفية، ومنه تخرج الأفكار وكل الأفعال الظاهرة في النهاية، لأن ما في قلبي هو الذي يُحركني ويُحدد اختياراتي، واختياراتي النابعة من داخلي تحدد مصيري.
"يَأْتِيَ الرَّبُّ الَّذِي سَيُنِيرُ خَفَايَا الظَّلاَمِ وَيُظْهِرُ آرَاءَ الْقُلُوبِ. وَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْمَدْحُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ اللهِ" (1كورنثوس 4: 5)
فأن كان قلبي صالح وحي بالروح فسأُخرج الصلاح،
أما أن كان شريراً وروحي ملوثة ساقطة سأُخرج الشرور، لأن كل ما يحدث في الخارج يُعبر عما هو في الداخل، في أعماق النفس الخفية، وبالطبع لو أن الداخل ميتاً بالخطايا والذنوب وعين الذهن الروحية الداخلية مُطفأة فالظلام هو المسيطر على الذهن، وبالتالي حينما أحيا – بهذا الحال المُذري – الحياة الروحية، وتطبعت بطابع الروحيين من الخارج سأعيش بالرياء، لأنه سيكون لي صورة التقوى وأنكر قوتها.
" إِنْ رَاعَيْتُ إِثْمًا فِي قَلْبِي لاَ يَسْتَمِعُ لِيَ الرَّبُّ؛ هَا إِنَّ يَدَ الرَّبِّ لَمْ تَقْصُرْ عَنْ أَنْ تُخَلِّصَ، وَلَمْ تَثْقَلْ أُذُنُهُ عَنْ أَنْ تَسْمَع، بَلْ آثَامُكُمْ صَارَتْ فَاصِلَةً بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ إِلهِكُمْ، وَخَطَايَاكُمْ سَتَرَتْ وَجْهَهُ عَنْكُمْ حَتَّى لاَ يَسْمَعَ" (مزمور 66: 18؛ إشعياء 59: 1 – 2)
أما أن كنت قد سمعت إنجيل الخلاص وتبت وآمنت وتغيرت بالروح القدس، وطعت طاعة الإيمان الحي العامل بالمحبة، فأني سأقدم قلبي مكرساً لله الحي، وسأدخل في سر عهد النعمة وأعيش متمسكاً بوعد الحياة الأبدية.
وبناء على ذلك سأعيش حافظاً تكريس قلبي منتبهاً لحياتي: فَوْقَ كُلِّ تَحَفُّظٍ (فوق كل حرص) احْفَظْ قَلْبَكَ (كن حريصاً واحرس قلبك) لأَنَّ مِنْهُ مَخَارِجَ الْحَيَاةِ (أمثال 4: 23)
ويقول القديس مقاريوس الكبير: [أولئك الذين يختبرون النعمة ولكنهم مع ذلك يتهاونون مع الخطية فإن الخوف يُسيطر عليهم فيعيشون حياتهم في اضطراب وقلق. لأنه كما أن التجار أثناء سفرهم والبحر هادئاً، ولكنهم لأنهم لم يصلوا بعد إلى الميناء فإنهم لا يزالون معرضين للخوف لئلا تهب فجأة ريح معاكسة، فتُهيج البحر وترتفع الأمواج وتُصبح السفينة في خطر، هكذا المسيحيون أيضاً حتى وإذا كان لهم في نفوسهم ريحاً موافقة من الروح القدس، إلا أنهم يحترسون لئلا تثور عليهم روح القوة المضادة وتُسبب الاضطرابات وتُثير العواصف على نفوسهم. لذلك، فهناك حاجة إلى سهر كثير ويقظة، لكي ما نصل إلى ميناء الراحة في العالم الكامل، وإلى الحياة الدائمة السعادة الأبدية، إلى مدينة القديسين، أورشليم السماوية، إلى "كنيسة أبكار" (عبرانيين 12: 23)] (عظات القديس مقاريوس الكبير 40: 4)
فالحياة الإلهية تبدأ فينا بجذب القلب لله بالروح،
وحينما نستجيب للدعوة الإلهية بالتوبة والإيمان، في التو تُزرع فينا كلمة الحياة، وندخل في سرّ التبني بيسوع المسيح ويظهر فينا نوره الخاص، ومن هنا يتضح معالم الطريق ويصير إلينا صوت الله في أعماق القلب: يا ابني أعطيني قلبك ولتلاحظ عينك طرقي، ومن ثم نكرس قلبنا لله جالسين عند كلمته لنتشرب منها الحياة فتصير لنا قوة تطهير وتنقية، ليصير قلبنا طاهراً صالحاً ليكون مقراً لسُكنى الله حياتنا كلنا.
ومن هنا تبدأ حياة تكريس القلب
والحفاظ على الزرع الإلهي فينا لكي يُثمر في أوانه، ويقول القديس مقاريوس الكبير: [فإن كل الذين نالوا الزرع الإلهي فإنهم ينالونه في الخفاء بطريقة غير منظورة، وبسبب الخطية الساكنة فيهم أيضاً فإنهم يخفون الزرع الإلهي في أماكن خفية في داخلهم. فإذا حفظوا نفوسهم وحفظوا الزرع الإلهي فإنهم في الوقت المناسب يُولدون ثانية بشكل منظور (يظهروا كنور في العالم كأبناء الله في المسيح)، وبعد ذلك عند انحلال الجسد تستقبلهم الملائكة وكل الأرواح السماوية بوجوه فرحة. ولكن إن كان الإنسان بعد أن ينال أسلحة المسيح ليُقاتل بشجاعة، يتكاسل ويُهمل، فإنه يقع في أيدي الأعداء، وعند انحلال الجسد يعبُر من الظلمة التي تُحيط به الآن إلى ظلمة أردأ، وإلى الهلاك.] (عظات القديس مقاريوس الكبير 40: 5)
فلزاماً علينا الآن أن نفهم معنى تكريس القلب
وندرسه حسب الإنجيل لكي نكرس قلبنا تكريساً حقيقياً حسب قصد الله لا الناس، لأننا لن نتأمل في الموضوع ونكتب كلام فكري ولا فلسفة شخصية، بل نُريد ان ندخل في خبرة تكريس القلب في حياتنا الواقعية، ومن ثم نحافظ على تكريسنا هذا لكي نستطيع ان نكمل الطريق للنهاية.


via †† ارثوذكس †† https://ift.tt/2xinNoV

0 التعليقات: