ولد هذا القديس سنه 339 ميلاديه ببلده طيبه بالصعيد من عائله فقيره وكان ابواه تقيين جدا وكان له اخ اكبر منه صار فيما بعد راهبا فاضلا ايضا , لقب الأنبا يوحنا او (يؤنس) بالقصير لأنه كان قصير القامة ونحيف .. ولكنه فى الحقيقة, قديس كبير عظيم فى الرهبان جداً, ذو قامة روحية عالية .
شعر يوحنا بالدعوه السمائيه وهو فى الثامنه عشر من عمره فذهب الى القديس بموا وطلب منه ان يتخذه تلميذا له . ولما وجده القديس بموا حديثا فى السن طلب منه ان ينتظر حتى يكبر فى العمر لربما لا يتحمل الجهاد وشقاء الحياه النسكيه ولكن اجابه يوأنس انه على استعداد لطاعه معلمه وللجهاد الروحى فصلى الانبا بموا وصام ثلاثه ايام قبل ان يقبله وبعد هذه الايام الثلاث ظهر له ملاك الرب وقال له : " نعْم ما فعلت بقبولك الشاب يوأنس تلميذا لانه سيكون أبًا لجماعه كثيره وسيخلص كثيرين بسببه " فرح الانبا بموا بهذه الاشاره الالهيه ثم صلى وصام ثلاث ايام اخرى ثم البس يوأنس الاسكيم وكان ذلك فى عام 357 م .
1- جهاده الروحى :
* طاعته وتلمذته لمعلمه
وعاش يوأنس اخا بالروح للانبا بيشوى كوكب البريه وكان يوأنس مطيعا لمعلمه طاعه تامه وقد اراد معلمه ان يختبره فاعطاه عودا يابسا وقال له ازرع هذه الشجره فاخذها منه وزرعها على الفور. وأمره أن يسقيه كل يوم بجرة ماء ، وكان الماء بعيداً عنهما ، فكان يمضى فى العشية ويجئ فى الغد ، وبعد ثلاث سنين أخضر الغصن وأعطى ثمرة ، فجاء بها الشيخ ، الذى جاء بها إلى الكنيسة وقال للإخوة " خذوا كلوا من ثمرة الطاعة ".
كانت لهذا القديس طاعة عظيمة لأبيه فقد حدث أيضاً انه كان يوجد فى تلك الأماكن مقابر ، وكانت تسكنها ضبعة ضارية ، وإذ رأى الشيخ هناك قلة ( يمانية ) ، سأل يوحنا أن يمضى بها فقال له : " وماذا أصنع بالضبعة يا أبتاه؟ " ، فقال له الشيخ: "إن أقبلت الضبعة نحوك ، فاربطها وقدها إلى هنا " ثم مضى الأخ وكان الوقت مساء، فلما أقبلت الضبعة نحوه ، تقدم إليها ، فهربت ، فتعقبها قائلاً : " إن معلمى طلب إلى أن أمسكك وأربطك ، فوقفت ، فأمسك بها وربطها ، وأقبل بها نحو الشيخ ، وكان الشيخ وقتئذ جالساً منتظراً مفكراً ، فلما أبصره تعجب كيف أمكنه إحضار الضبعة ، وإذ أراد أن يحفظه من الكبرياء ضربه قائلاً : " لقد طلبت منك أن تحضر لى الضبعة ، فتمضى وتأتينى بكلب " ، وللوقت حلها وأطلقها.
*مرض ونياحته معمله
كان الأب يوحنا القصير وهو شاب تلميذاً للأنبا بموا وقد استمر فى خدمة معلمه الشيخ أثناء مرضه مدة اثنى عشرة سنة وكان يرقد بجواره على الفراش ليستند عليه الشيخ فى قيامه ورقاده ولشدة مرضه كان يبصق فيقع البصق على تلميذه يوحنا الذى تعب كثيراً. وفى كل هذه المدة لم يسمع منه كلمة شكر. ولما دنت وفاة الشيخ. واجتمع حوله الشيوخ أمسك بيد تلميذه قائلاً : " هذا ملاك وليس انساناً ", ثم التفت الى يوأنس وقال " عش فى المكان الذى غرست فيه شجره الطاعه "
ظلت هذه الشجره قائمه بمنطقه دير الانبا يحنس القمص ببريه شيهيت حتى وقت قريب قيل انها كانت موجوده الى حوالى عام 1921 ميلاديه او بعد ذلك .
وبعد نياحه الانبا بموا عاش يوأنس القصير مع الانبا بيشوى بضع سنوات وفى ذلك الفتره زار البابا ثيؤفيلس الصحراء وسيم يوأنس قسا وعندما وضع البابا يده على راس يوأنس سمع الحاضرون صوتا من السماء يقول { اكسيوس " مستحق " } .
ثم لاحظ يوأنس ان الانبا بيشوى يميل الى حياه العزله فقال له " ارى انك مشتاق لحياه العزله مثلى فهيا نصلى معا طالبين من الله الهدايه " فوقف كلاهما يصليان الليل كله ولما حل الصباح ظهر لهما ملاك الرب وقال يا يوأنس ابق حيث انت اما انت يا بيشوى فارحل من هنا واقم فى قلايه على مقربه من دير الانبا مقاريوس الكبير حيث يباركك الرب ويوافيك باخوه كثيرين يسكنون معك فاطاع كلاهما الامر وبعد ذلك تجمع عدد وفير من الاخوه حول كل منهم واتخذوه لهم أبًا.
*نقاوته
أتى إلى قلايته احد الشيوخ فوجده نائماً فى حر النهار وملاكاً واقفاً عنده يروح عليه ، فانعزل عنه منصرفاً. فلما استيقظ قال لتلميذه : أتى إلى هنا إنسان وأنا نائم ، فقال له : " نعم ، فلان الشيخ ، فعلم حينئذ أن ذلك الشيخ معادل له وأنه أبصر الملاك.
وقيل عنه إذا أبصر إنسانا خاطئ كان يبكى بكاء شديداً ، ويقول : " إن هذا أخطأ اليوم ولكنه ربما يتوب. أما أنا فإنى أخطئ وربما لا أعطى مهلة كى أتوب هكذا يجب أن نفكر ولا ندين أحدا ". ولهذا كان يسافر إلى مسافات بعيدة لهداية الخطاة.
*القديس يطلب هداية الخطاة :
علم من شيخ البرية عن ارتداد بائيسة التى ولدت فى منوف من أبوين غنيين. ولما توفيا جعلت منزلها مأوى للغرباء والمساكين ، واجتمع بها قوم اردياء واستمالوا قلبها إلى الخطية. حتى جعلت بيتها ماخورا تقبل فيه كل الأثمة. فاتصل خبرها بشيوخ شبهيت القديسين فحزنوا حزناً عميقاً وطلبوا إلى القديس يوحنا القصير أن يمضى إليها ويساعدها على خلاص نفسها. فذهب القديس حالاً بعد أن طلب منهم أن يصلوا لأجله. ولما وصل إلى بيتها قال للبوابة : اعلمى سيدتك بقدومى فلما أعلمتها تزينت واستدعته. فدخل وهو يرتل قائلاً: " إذا سرت فى وادى ظل الموت لا أخاف شراً لأنك أنت معى " (مر 23 : 4 ) ولما جلس نظر إليها وقال : لماذا استهنت بالمسيح فاديك وأتيت هذا المنكر؟ فارتعدت وذاب قلبها من تأثير كلام القديس. ثم أحنى رأسه إلى الأرض وبكى. فسألته ما الذى يبكيك؟ فأجابها لأنى أعاين الشياطين تلعب على وجهك ولهذا أنا ابكى عليك. فقالت : وهل لى توبة؟ أجابها : نعم ولكن ليس فى هذا المكان. ثم أخذها إلى البرية ولما أمسى النهار نامت والقديس نام بعيداً عنها. ثم وقف القديس ليصلى صلاة نصف الليل فرأى عامود نور نازلاً من السماء. وملائكة الله يحملون روحها. فاقترب منها فوجدها قد ماتت. فسجد إلى الأرض وصلى صلاة طويلة بسببها فسمع صوتاً يقول: ان توبة بائسية قد قبلت وقت توبتها لأنها تابت بقلبها توبة خالصة. وبعد ان دفن جسدها وصل إلى ديره ,اعلم الشيوخ فمجدوا الله الذى لا يشاء موت الخاطئ.
*صبرة في التعليم وسعة قلبه :
مضى إليه أخ من الاسقيط عامل بالجسد ولكنه لا يحفظ الأفكار فسأله النصيحة , فسمع منه قولاً ورجع إلى قلايته فنسى القول : فعاد أيضاً إليه فسمع القول أيضاً يعينيه فلما عاد إلى قلايته نسى القول أيضاً. فصنع هكذا دفعات. وعند ذلك لقى الشيخ فقال له: " يا أبتاه اننى قد نسيت الذى قلت لى. ما اسبحك بعد حتى لا ارجع اليك". فقال له أنبا يوحنا: " قم وأوقد سراجاً " ففعل كما أمره. فقال له " احضر سراجاً أخر وأوقده منه " فصنع ايضاً كذلك فقال أنبا يوحنا : لعل السراج نقص أو ضرراً ناله بايقادك منه السرج الكثيرة؟! فقال له " ما نقص شيئاً فأجابه الشيخ قائلاً : " هو هكذا المسكين يوحنا لو جاء إليه جميع أهل الاسقيط لما أنقصوه من نعمة الروح القدس. وأنت متى أردت فهلم إلى ولا تشك فى بشئ " هكذا رفع عنه النسيان وكذلك كان عمل شيوخ الاسقيط يعطون نشاطاً للمقاتلين ويكلفونهم بعمل الوصايا لكى يريحوا بعضهم بعضاً.
وحدث مرة انه كان جالساً مع الاخوة أمام الكنيسة وكان كل واحد منهم يكشف له أفكاره. فنظر أحد الشيوخ وامتلأ حسداً عليه ، فقال : " يا يوحنا انك ممتلئ سحراً " فقال : " الأمر هكذا كما تقول يا أبتاه ولكنك بنيت حكمك هذا على ما نظرته فى الظاهر ، فما عساك كنت تقول لو علمت بالخفاء ".
كان جالساً فى الاسقيط وقد أحدق به الاخوة يكشفون له افكارهم فلما رآه. أحد الشيوخ قال له : يا يوحنا. لقد زينت ذاتك كالزانية التى تكثر من عشاقها. فصنع له مطانية قائلاً : " حقاً قلت يا أبتاه " وبعد ذلك سأله الاخوة ان كان قد اضطرب من داخل ، فقال : " ما اضطربت البتة ، لكن كما كان خارجى كذلك كان باطنى ".
وذات سأله بعض الآباء قائلين : " ما هى الرهبنة؟ فقال : " تعب الجسد ومقاتلة البطن ".
وبينما هو ذاهب مرة إلى البيعة قابله أحد الشيوخ وقال له : ليس هذا وقت العبادة فارجع إلى مكانك يا قصير ( تعبيراً وتقريعاً ) وطرده فعاد إلى قلايته دون أن ينطق بكلمة. فتبعه الشيخ ومن معه ليروا ماذا يفعل. وعلى أثر دخوله لقلايته خرجت منها رائحة بخور وسمعوا من يقول له : " احفظ نفسك يا يوحنا وداوم التواضع لتكون خليللاً لابن الله لأن النعمة يعطيها الله لمستقيمى القلوب ولا يعوزهم شئ من الخير". وكان يوحنا يقول آمين الليلويا. والمجد والكرامة والقدرة والملك الدائم لالهنا القادر إلى دهر الداهرين. فتعجب الشيخ ومن معه مما سمعوا ومجدوا الله. فادخلوا القديس للبيعة بكرامة عظيمة وكانوا يقولون لبعضهم " حقاً إن يوحنا أعطى من الله أكثر منا لأنه بتول طاهر ".
*حكمته وإفرازه
أكل دفعة مع آباء الاسقيط ، فقام أحد الشيوخ وكان قساً كبيراً ليسقيهم الماء فلم يقبل منه إلا يوحنا القصير ، فتعجبوا منع وقالوا له : " كيف وأنت أصغر الاخوة جسرت على أن يخدمك مثل هذا الشيخ الكبير؟! " فقال : " أنا ان كنت فى خدمة وأردت أن أناول أحد الإخوة كوز ماء افرح بالذى يبادر ويأخذ منى ليصير لى الأجر. فلذلك قبلت أنا من الشيخ ذلك لأكمل أجره " وبدلاً من أن يخجل لأنه لم يقبل منع أحد شيئاً.
فلما سمعوا انتفعوا من إفرازه.
مرة كان الأب يوحنا صاعداً من الاسقيط مع الإخوة فضل مرشدهم عن الطريق لأنه كان ليلاً. فقال الإخوة لأنبا يوحنا : ماذا تصنع لأن الأخ قد ضل الطريق؟ فقال لهم: ان قلنا له شيئاً حزن واستحى ، فالأفضل أن أتظاهر الطريق؟ فقال لهم: ان قلنا له شيئاً حزن واستحى ، فالأفضل أن اتظاهر بأنى مريض وأقول : " أنى لن استطيع المشى لانى فى شدة ، وبذلك نجلس إلى الغد " فلما اعلن لهم رأيه هذا وافقوا وقالوا: ونحن أيضاً نجلس معك ، وفعلاً جلسوا.
*تأمله الدائم فى الإلهيات وتحرره من القيود
مرة جاءه جمال ليحمل أوعيته. فلما دخل ليحضر له الضفائر نسيها لأنه كان مشغول بالتأمل فى المناظر المعقولة الإلهية – وقرع الجمال الباب فخرج إليه ونسى مرة أخرى – فقرع مرة ثالثة ، فخرج إليه ثم دخل وهو يقول : ( الضفائر للجمال. الضفائر للجمال ).
ومرة جاء إليه بعض الإخوة ليأخذوا منع ( قففا ) فقرع احدهم ، فخرج إليه وقال له : ماذا تطلب أيها الأخ؟ فأجابه : ( قففا ). فتركه ودخل وجلس يخيط. فقرع أخ آخر فخرج إليه وقال : ماذا تطلب أيها الأخ؟ فقال له : هات لى قفه يا أبتاه ، فدخل وجلس يخيط ونسى من فرط تأملاته. ثم إن الأخ قرع مرة أخري إليه وقال له : ماذا تطلب يا أخى ؟ فقال " القفف ، أيها الأب " فأمسكه بيده وأدخله إلى القلاية وقال: إن كنت تريد قفة فخذ ما تريده فانى مشغول فى هذه الساعة.
+ وقيل عنه : انه ضفر فى بعض الأوقات ضفيرة تصلح لعمل زنبيلين ، لكنه خاطها زنبيلاً واحداً ولم يعلم بذلك إلا عندما وصل إلى آخر الضفيرة ، وذلك لأن فكره كان مشغولا بالمناظر الإلهية.
2 – انتصاراته الروحية :
قال : أنا أشبه إنسانا جالساً تحت شجرة عظيمة ، ينظر إلى الوحوش والذئاب وهى مقبلة نحوه ، فإذا لم يستطع ملاقاتها يهرب صاعداً فوق الشجرة لينجو منها ، هكذا أنا جالس فى قلايتى أبصر الأفكار الخبيثة تأتى إلى فإذا لم استطع صدها هربت إلى الله بالصلاة ونجوت.
*انتصاره على الغضب :
+ قال : انى كنت ماضياً فى طريق الاسقيط ومعى ( القفف ) محمولة على جمل وفجأة أبصرت الجمال وقد تحرك فيه الغضب ، فتركت كل ما كان لى وهربت.
+ ومرة أخرى كان فى الحصاد فأبصر أخاً قد غضب على آخر فهرب وترك الحصاد.
+ وجاء مرة إلى الكنيسة فسمع مجادلة فى الكلام بين الإخوة فرجع إلى قلايته ودار حولها ثلاث دورات ثم عادل ودخل فيها ، فسألوه لماذا فعلت ذلك؟ فقال : إن صوت المجادلة كان لا يزال فى أذنى فقلت أخرجه من أذنى قبل أن ادخل قلايتى كى يكون عقلى داخل القلاية نقيا.
*تجلده فى الصلاة :
كان منفرداً فى جب جاف وكان بغير انزعاج فى مخاطبة الله بالصلاة ، وكان الشيطان يظهر له فى هيئة تنين عظيم يطوقه حول حلقة وينهش فى لحمه وينفخ فى وجهه بغير شفقة.
*احتماله الضيقات :
قال أنبا بيمن عن أنبا يوحنا القصير ، انه طلب إلى الله فرفع عنه الآلام وصار بلا هم ، فلما توجه إلى الشيخ قال له " ها أنا كما ترانى يا أبى مستريحاً ، وليست لى أشياء تقاتلنى بالجملة " ، فقال له الشيخ : " امض واسأل الله أن يرجع اليك القتال ، لأنه بالقتال تنجح النفس وتفوز" ، فلما جاءه القتال ، لم يصل كى يرتفع عنه ، بل كان يقول " اعطنى يا رب صبرا على الاحتمال ".
3 - أحاديثه :
+ مرة كان الإخوة جلوسا يأكلون على المائدة فى ( أغابى ) فضحك أحدهم ، فنظر إليه وبكى قائلاً :
" ترى ماذا خطر ببال هذا الأخ حتى انه ضحك هكذا ، انه كان يجب عليه البكاء ، لأنه يأكل طعام الصدقة ".
+ ومرة أخرى جاء إليه إخوة ليجربوه لأنه ما كان يسمح لفكره بحديث بشرى ولا كان يتلفظ بشئ من أمور العالم. فقالوا له : الشكر لله يا أبانا ، إن هذه السنة أمطرت أمطارا كثيرة ، وقد شرب النخل وروى وها هو يخرج السعف ليجد الإخوة حاجتهم منه لعمل أيديهم.. أما هو فقال لهم : " إن نعمة الروح القدس إذا ما حلت فى عقل إنسان أروته وجددته ليخرج أثمارا تصلح لعمل الله".
4 – أصوامه :
وقد بلغ الزهد به جداً حيث انقطع عن كل طعام وشراب أسبوعا مستمراً وإذا أكل لا يشبع خبزا وكان يردد قول معلمه: " لا تتكل على برك و تصنع أمرا تندم عليه وامسك لسانك وبطنك وقلبك".
5 – عمل اليدين وعطفه على الفقراء:
كان القديس فى أوقات الفراغ من صلاته وتأملاته يعمل فى صناعة السلال وذلك ليحصل على معيشته ومعيشة الإخوة الذين معه والفقراء الذين يوفدون إليه.
+ خرج مرة من قلايته ومعه سلال ليبيعها فى الريف فقابله جمال فى الطريق وطلب إليه أن يسلمه القفاف ليحملها عوضاً عنه. فأعطاها له وسار وراءه فى الطريق ، ثم سمع الجمال يغنى بأغان عالمية بذيئة ورأى حوله شياطين ، فترك السلال وعاد إلى البرية.
+ وكانت العادة فى زمن الحصاد إن ما يجمعه الشيوخ يحتفظون بنصفه والنصف الآخر يوزع للمحتاجين. أما القديس يوحنا فكان يعطى الكل ولا يبقى لذاته شيئاً.
+ سأله الإخوة مرة قائلين : يا أبانا هل يجب أن نقرأ المزامير كثيراً. فرد قائلاً : إن الراهب لا تفيده القراءة والصلوات ما لم يكن متواضعاً محباً للفقراء والمساكين.
6 – شفاء المرضى ومعرفة الخفايا:
+ ذهب القديس مرة إلى أحد الحقول فى زمن الحصاد ليجمع شيئا فقابله فلاح مصاب بمرض البرص وطلب منه أن يشفيه فأخذ القديس ماء وصلى عليه ورشمه باسم الثالوث الأقدس فشفى الرجل ومضى ممجداً الله.
+ ثم بعد قليل جاءته امرأة بها شيطان ردئ يعذبها كثيراً فتحنن عليها ووقف إلى جانبها يسأل الله من أجلها وحالا خرج منها الشيطان.
+ ومرة باع قففاً واشترى بثمنها خبزا وفيما هو سائر فى الطريق أمسكته امرأة عجوز وطلبت إليه أن يعطيها خبزا لها ولابنها الأعمى الذى كاد أن يهلك جوعا. فأعطاها كل الخبز الذى معه ثم طلب إليها أن تقدم ابنها إليه ولما قدمته صلى قائلاً : أيها الرب الإله الواحد وحده الساكن فى السماء الذى بإرادته نزل إلى الأرض وخلص شعبه من خطاياهم وصنع الآيات والعجائب بين خليقته وأبرأ المرضى وشفى البرص وفتح أعين العميان. أسألك الآن من أجل هذا الفتى الواقف أمامك أن تعطيه نوراً وبصراً " ورشم عينيه. فحالا أبصر فأخته أمه بفرح ممجدة الله ومخبرة بصنع القديس الذى فتح عينى ابنها الأعمى وأعطاها الخبز.
+ وقد ميز الله القديس يوحنا بمعرفة الخفايا فعندما كان يقدس الأسرار كان يعرف من يستحق التناول ومن لا يستحق ولهذا فإن كثيرين تابوا ورجعوا لله بكل قلوبهم.*
7- انتقال القديس
عند قرب انتقاله إلى المكان الذى هرب منه الحزن والكآبة وألم القلب ظهر له السيد فى رؤيا واعامه بهذا. وباكر الأحد جاءت إليه رتب الملائكة وطغماتها ولما رآهم القديس فرح كثيراً ووقف يصلى باسطاً يديه ووجهه إلى الشرق وأثناء ذلك فاضت روحه الطاهرة ومضى إلى النعيم الأبدى فى عشرين بابه ( 30 أكتوبر عام409 ميلاديه تقريبا)وله من العمر سبعون سنة. وقد نال منزلة الملائكة الأطهار والرسل الأبرار. وحين أتى تلميذه للبرية رأى نفس أبيه الطوباى بين صفوف الملائكة وأرواح القديسين وصل إلى قلاية معلمه وجده قد فارق الحياة فقبله وبكى كثيراً وكفنه بلفائف وذهب وأعلم السكان فأتوا وأخذوا الجسد الطاهر إلى المدينة ولما وصلوا باب المدينة إذا شاب به روح نجس صرخ قائلاً : " ارحمنى يا أبى القديس يحنس فانى فى عذاب شديد ". فحالا صرعه الشيطان وخرج منه وقام معافى
ثم أتى إنسان مفلوج ولمس الأكفان ووضع جزءاً منها على جسده وشفى وخرج يمجد الله ويخبر بما صنعه الله باسم القديس.
ولما أدخلوا جسد القديس للكنيسة والجميع يبكون عليه ويتباركون ويضعون أكفاناً أخرى إذا بأعرج أتوا به وطرحوه على الأكفان فحالا شفى ، وقام على رجليه وخرج أمام الجميع يشكر الله الممجد فى قديسه.
ثم بعد أن سبح الجماعة ورتلوا للرب بأصوات روحانية وشعيوا القديس فى تابوت من صاج وتركوه بجانب قديسين آخرين وهما أنبا اثناسيوس ييشاى وكانت تخرج من أجسادهم المقدسة قوة لشفاء كثيرين.
نقل جسد القديس الطاهر الى جبل القلزم بجوار السويس ثم اعاده الرهبان الى دير ابى مقار ثم الى ديره حتى تخرب فاعيد الى دير القديس مقاريوس ولا يزال محفوظا مع اجساد الثلاثه مقارات القديسين .
جاء فى السنكسار الاثيوبى ان الانبا مرقس خليفه الانبا يوحنا الرابع اراد ان يكسوا الجسد باكفان من حرير فما ان خلع عنه كفن الليف حتى حدثت زلزله فى الكنيسه وسقط بعض الرهبان والزوار ؛ فاعاد اليه كفنه الليف كما كان .
8- أعياد القديس
تحتفل الكنيسه بعيد نياحته فى 20 بابه وتذكار وصول جسده الطاهر الى شيهيت فى 29 مسرى .
اديره تحمل اسمه
1- دير انبا يحنس القصير ببريه شيهيت بوادى النطرون .
2- دير يحنس القصير بجبل المقطم شرقى طره ويعرف بدير البغل او دير القصير.
3- دير يحنس القصير بجبل انصنا بجوار ملوى .
*من كلماته
1- لا يوجد شىء انتن من الانسان الخاطى فالحيوانات حفظت رتبتها والانسان الذى خلق على صوره الله ومثاله لم يحفظ طقسه .
2- لا يُسر الشيطان بشىء مثل الانسان الذى لا يكشف افكاره ويقر بها امام ابيه اب اعترافه.
3- اذا اراد ملك ان ياخذ مدينه الاعداء فقبل كل شىء يقطع عنهم الشراب والطعام وبذلك يذلون فيخضعون له, هكذا شهوات الجسد اذا ضيق الراهب على نفسه بالجوع والعطش تضعف شهواته و يسود عليها .
4- كن حزينا على الذين هلكوا . كن رحيما على الذين طغوا . كن متالما مع المتالمين . مصليا من اجل المخطئين .
5- التواضع ومخافه الرب هما اعظم جميع الفضائل .
6- الزم القراءه افضل من كل عمل ؛ لانه ربما دار العقل فى الصلاه ؛ اما القراءه فإنها تجمعه.
بركة صلوات هذا القديس فلتكن معنا آمين.
شعر يوحنا بالدعوه السمائيه وهو فى الثامنه عشر من عمره فذهب الى القديس بموا وطلب منه ان يتخذه تلميذا له . ولما وجده القديس بموا حديثا فى السن طلب منه ان ينتظر حتى يكبر فى العمر لربما لا يتحمل الجهاد وشقاء الحياه النسكيه ولكن اجابه يوأنس انه على استعداد لطاعه معلمه وللجهاد الروحى فصلى الانبا بموا وصام ثلاثه ايام قبل ان يقبله وبعد هذه الايام الثلاث ظهر له ملاك الرب وقال له : " نعْم ما فعلت بقبولك الشاب يوأنس تلميذا لانه سيكون أبًا لجماعه كثيره وسيخلص كثيرين بسببه " فرح الانبا بموا بهذه الاشاره الالهيه ثم صلى وصام ثلاث ايام اخرى ثم البس يوأنس الاسكيم وكان ذلك فى عام 357 م .
1- جهاده الروحى :
* طاعته وتلمذته لمعلمه
وعاش يوأنس اخا بالروح للانبا بيشوى كوكب البريه وكان يوأنس مطيعا لمعلمه طاعه تامه وقد اراد معلمه ان يختبره فاعطاه عودا يابسا وقال له ازرع هذه الشجره فاخذها منه وزرعها على الفور. وأمره أن يسقيه كل يوم بجرة ماء ، وكان الماء بعيداً عنهما ، فكان يمضى فى العشية ويجئ فى الغد ، وبعد ثلاث سنين أخضر الغصن وأعطى ثمرة ، فجاء بها الشيخ ، الذى جاء بها إلى الكنيسة وقال للإخوة " خذوا كلوا من ثمرة الطاعة ".
كانت لهذا القديس طاعة عظيمة لأبيه فقد حدث أيضاً انه كان يوجد فى تلك الأماكن مقابر ، وكانت تسكنها ضبعة ضارية ، وإذ رأى الشيخ هناك قلة ( يمانية ) ، سأل يوحنا أن يمضى بها فقال له : " وماذا أصنع بالضبعة يا أبتاه؟ " ، فقال له الشيخ: "إن أقبلت الضبعة نحوك ، فاربطها وقدها إلى هنا " ثم مضى الأخ وكان الوقت مساء، فلما أقبلت الضبعة نحوه ، تقدم إليها ، فهربت ، فتعقبها قائلاً : " إن معلمى طلب إلى أن أمسكك وأربطك ، فوقفت ، فأمسك بها وربطها ، وأقبل بها نحو الشيخ ، وكان الشيخ وقتئذ جالساً منتظراً مفكراً ، فلما أبصره تعجب كيف أمكنه إحضار الضبعة ، وإذ أراد أن يحفظه من الكبرياء ضربه قائلاً : " لقد طلبت منك أن تحضر لى الضبعة ، فتمضى وتأتينى بكلب " ، وللوقت حلها وأطلقها.
*مرض ونياحته معمله
كان الأب يوحنا القصير وهو شاب تلميذاً للأنبا بموا وقد استمر فى خدمة معلمه الشيخ أثناء مرضه مدة اثنى عشرة سنة وكان يرقد بجواره على الفراش ليستند عليه الشيخ فى قيامه ورقاده ولشدة مرضه كان يبصق فيقع البصق على تلميذه يوحنا الذى تعب كثيراً. وفى كل هذه المدة لم يسمع منه كلمة شكر. ولما دنت وفاة الشيخ. واجتمع حوله الشيوخ أمسك بيد تلميذه قائلاً : " هذا ملاك وليس انساناً ", ثم التفت الى يوأنس وقال " عش فى المكان الذى غرست فيه شجره الطاعه "
ظلت هذه الشجره قائمه بمنطقه دير الانبا يحنس القمص ببريه شيهيت حتى وقت قريب قيل انها كانت موجوده الى حوالى عام 1921 ميلاديه او بعد ذلك .
وبعد نياحه الانبا بموا عاش يوأنس القصير مع الانبا بيشوى بضع سنوات وفى ذلك الفتره زار البابا ثيؤفيلس الصحراء وسيم يوأنس قسا وعندما وضع البابا يده على راس يوأنس سمع الحاضرون صوتا من السماء يقول { اكسيوس " مستحق " } .
ثم لاحظ يوأنس ان الانبا بيشوى يميل الى حياه العزله فقال له " ارى انك مشتاق لحياه العزله مثلى فهيا نصلى معا طالبين من الله الهدايه " فوقف كلاهما يصليان الليل كله ولما حل الصباح ظهر لهما ملاك الرب وقال يا يوأنس ابق حيث انت اما انت يا بيشوى فارحل من هنا واقم فى قلايه على مقربه من دير الانبا مقاريوس الكبير حيث يباركك الرب ويوافيك باخوه كثيرين يسكنون معك فاطاع كلاهما الامر وبعد ذلك تجمع عدد وفير من الاخوه حول كل منهم واتخذوه لهم أبًا.
*نقاوته
أتى إلى قلايته احد الشيوخ فوجده نائماً فى حر النهار وملاكاً واقفاً عنده يروح عليه ، فانعزل عنه منصرفاً. فلما استيقظ قال لتلميذه : أتى إلى هنا إنسان وأنا نائم ، فقال له : " نعم ، فلان الشيخ ، فعلم حينئذ أن ذلك الشيخ معادل له وأنه أبصر الملاك.
وقيل عنه إذا أبصر إنسانا خاطئ كان يبكى بكاء شديداً ، ويقول : " إن هذا أخطأ اليوم ولكنه ربما يتوب. أما أنا فإنى أخطئ وربما لا أعطى مهلة كى أتوب هكذا يجب أن نفكر ولا ندين أحدا ". ولهذا كان يسافر إلى مسافات بعيدة لهداية الخطاة.
*القديس يطلب هداية الخطاة :
علم من شيخ البرية عن ارتداد بائيسة التى ولدت فى منوف من أبوين غنيين. ولما توفيا جعلت منزلها مأوى للغرباء والمساكين ، واجتمع بها قوم اردياء واستمالوا قلبها إلى الخطية. حتى جعلت بيتها ماخورا تقبل فيه كل الأثمة. فاتصل خبرها بشيوخ شبهيت القديسين فحزنوا حزناً عميقاً وطلبوا إلى القديس يوحنا القصير أن يمضى إليها ويساعدها على خلاص نفسها. فذهب القديس حالاً بعد أن طلب منهم أن يصلوا لأجله. ولما وصل إلى بيتها قال للبوابة : اعلمى سيدتك بقدومى فلما أعلمتها تزينت واستدعته. فدخل وهو يرتل قائلاً: " إذا سرت فى وادى ظل الموت لا أخاف شراً لأنك أنت معى " (مر 23 : 4 ) ولما جلس نظر إليها وقال : لماذا استهنت بالمسيح فاديك وأتيت هذا المنكر؟ فارتعدت وذاب قلبها من تأثير كلام القديس. ثم أحنى رأسه إلى الأرض وبكى. فسألته ما الذى يبكيك؟ فأجابها لأنى أعاين الشياطين تلعب على وجهك ولهذا أنا ابكى عليك. فقالت : وهل لى توبة؟ أجابها : نعم ولكن ليس فى هذا المكان. ثم أخذها إلى البرية ولما أمسى النهار نامت والقديس نام بعيداً عنها. ثم وقف القديس ليصلى صلاة نصف الليل فرأى عامود نور نازلاً من السماء. وملائكة الله يحملون روحها. فاقترب منها فوجدها قد ماتت. فسجد إلى الأرض وصلى صلاة طويلة بسببها فسمع صوتاً يقول: ان توبة بائسية قد قبلت وقت توبتها لأنها تابت بقلبها توبة خالصة. وبعد ان دفن جسدها وصل إلى ديره ,اعلم الشيوخ فمجدوا الله الذى لا يشاء موت الخاطئ.
*صبرة في التعليم وسعة قلبه :
مضى إليه أخ من الاسقيط عامل بالجسد ولكنه لا يحفظ الأفكار فسأله النصيحة , فسمع منه قولاً ورجع إلى قلايته فنسى القول : فعاد أيضاً إليه فسمع القول أيضاً يعينيه فلما عاد إلى قلايته نسى القول أيضاً. فصنع هكذا دفعات. وعند ذلك لقى الشيخ فقال له: " يا أبتاه اننى قد نسيت الذى قلت لى. ما اسبحك بعد حتى لا ارجع اليك". فقال له أنبا يوحنا: " قم وأوقد سراجاً " ففعل كما أمره. فقال له " احضر سراجاً أخر وأوقده منه " فصنع ايضاً كذلك فقال أنبا يوحنا : لعل السراج نقص أو ضرراً ناله بايقادك منه السرج الكثيرة؟! فقال له " ما نقص شيئاً فأجابه الشيخ قائلاً : " هو هكذا المسكين يوحنا لو جاء إليه جميع أهل الاسقيط لما أنقصوه من نعمة الروح القدس. وأنت متى أردت فهلم إلى ولا تشك فى بشئ " هكذا رفع عنه النسيان وكذلك كان عمل شيوخ الاسقيط يعطون نشاطاً للمقاتلين ويكلفونهم بعمل الوصايا لكى يريحوا بعضهم بعضاً.
وحدث مرة انه كان جالساً مع الاخوة أمام الكنيسة وكان كل واحد منهم يكشف له أفكاره. فنظر أحد الشيوخ وامتلأ حسداً عليه ، فقال : " يا يوحنا انك ممتلئ سحراً " فقال : " الأمر هكذا كما تقول يا أبتاه ولكنك بنيت حكمك هذا على ما نظرته فى الظاهر ، فما عساك كنت تقول لو علمت بالخفاء ".
كان جالساً فى الاسقيط وقد أحدق به الاخوة يكشفون له افكارهم فلما رآه. أحد الشيوخ قال له : يا يوحنا. لقد زينت ذاتك كالزانية التى تكثر من عشاقها. فصنع له مطانية قائلاً : " حقاً قلت يا أبتاه " وبعد ذلك سأله الاخوة ان كان قد اضطرب من داخل ، فقال : " ما اضطربت البتة ، لكن كما كان خارجى كذلك كان باطنى ".
وذات سأله بعض الآباء قائلين : " ما هى الرهبنة؟ فقال : " تعب الجسد ومقاتلة البطن ".
وبينما هو ذاهب مرة إلى البيعة قابله أحد الشيوخ وقال له : ليس هذا وقت العبادة فارجع إلى مكانك يا قصير ( تعبيراً وتقريعاً ) وطرده فعاد إلى قلايته دون أن ينطق بكلمة. فتبعه الشيخ ومن معه ليروا ماذا يفعل. وعلى أثر دخوله لقلايته خرجت منها رائحة بخور وسمعوا من يقول له : " احفظ نفسك يا يوحنا وداوم التواضع لتكون خليللاً لابن الله لأن النعمة يعطيها الله لمستقيمى القلوب ولا يعوزهم شئ من الخير". وكان يوحنا يقول آمين الليلويا. والمجد والكرامة والقدرة والملك الدائم لالهنا القادر إلى دهر الداهرين. فتعجب الشيخ ومن معه مما سمعوا ومجدوا الله. فادخلوا القديس للبيعة بكرامة عظيمة وكانوا يقولون لبعضهم " حقاً إن يوحنا أعطى من الله أكثر منا لأنه بتول طاهر ".
*حكمته وإفرازه
أكل دفعة مع آباء الاسقيط ، فقام أحد الشيوخ وكان قساً كبيراً ليسقيهم الماء فلم يقبل منه إلا يوحنا القصير ، فتعجبوا منع وقالوا له : " كيف وأنت أصغر الاخوة جسرت على أن يخدمك مثل هذا الشيخ الكبير؟! " فقال : " أنا ان كنت فى خدمة وأردت أن أناول أحد الإخوة كوز ماء افرح بالذى يبادر ويأخذ منى ليصير لى الأجر. فلذلك قبلت أنا من الشيخ ذلك لأكمل أجره " وبدلاً من أن يخجل لأنه لم يقبل منع أحد شيئاً.
فلما سمعوا انتفعوا من إفرازه.
مرة كان الأب يوحنا صاعداً من الاسقيط مع الإخوة فضل مرشدهم عن الطريق لأنه كان ليلاً. فقال الإخوة لأنبا يوحنا : ماذا تصنع لأن الأخ قد ضل الطريق؟ فقال لهم: ان قلنا له شيئاً حزن واستحى ، فالأفضل أن أتظاهر الطريق؟ فقال لهم: ان قلنا له شيئاً حزن واستحى ، فالأفضل أن اتظاهر بأنى مريض وأقول : " أنى لن استطيع المشى لانى فى شدة ، وبذلك نجلس إلى الغد " فلما اعلن لهم رأيه هذا وافقوا وقالوا: ونحن أيضاً نجلس معك ، وفعلاً جلسوا.
*تأمله الدائم فى الإلهيات وتحرره من القيود
مرة جاءه جمال ليحمل أوعيته. فلما دخل ليحضر له الضفائر نسيها لأنه كان مشغول بالتأمل فى المناظر المعقولة الإلهية – وقرع الجمال الباب فخرج إليه ونسى مرة أخرى – فقرع مرة ثالثة ، فخرج إليه ثم دخل وهو يقول : ( الضفائر للجمال. الضفائر للجمال ).
ومرة جاء إليه بعض الإخوة ليأخذوا منع ( قففا ) فقرع احدهم ، فخرج إليه وقال له : ماذا تطلب أيها الأخ؟ فأجابه : ( قففا ). فتركه ودخل وجلس يخيط. فقرع أخ آخر فخرج إليه وقال : ماذا تطلب أيها الأخ؟ فقال له : هات لى قفه يا أبتاه ، فدخل وجلس يخيط ونسى من فرط تأملاته. ثم إن الأخ قرع مرة أخري إليه وقال له : ماذا تطلب يا أخى ؟ فقال " القفف ، أيها الأب " فأمسكه بيده وأدخله إلى القلاية وقال: إن كنت تريد قفة فخذ ما تريده فانى مشغول فى هذه الساعة.
+ وقيل عنه : انه ضفر فى بعض الأوقات ضفيرة تصلح لعمل زنبيلين ، لكنه خاطها زنبيلاً واحداً ولم يعلم بذلك إلا عندما وصل إلى آخر الضفيرة ، وذلك لأن فكره كان مشغولا بالمناظر الإلهية.
2 – انتصاراته الروحية :
قال : أنا أشبه إنسانا جالساً تحت شجرة عظيمة ، ينظر إلى الوحوش والذئاب وهى مقبلة نحوه ، فإذا لم يستطع ملاقاتها يهرب صاعداً فوق الشجرة لينجو منها ، هكذا أنا جالس فى قلايتى أبصر الأفكار الخبيثة تأتى إلى فإذا لم استطع صدها هربت إلى الله بالصلاة ونجوت.
*انتصاره على الغضب :
+ قال : انى كنت ماضياً فى طريق الاسقيط ومعى ( القفف ) محمولة على جمل وفجأة أبصرت الجمال وقد تحرك فيه الغضب ، فتركت كل ما كان لى وهربت.
+ ومرة أخرى كان فى الحصاد فأبصر أخاً قد غضب على آخر فهرب وترك الحصاد.
+ وجاء مرة إلى الكنيسة فسمع مجادلة فى الكلام بين الإخوة فرجع إلى قلايته ودار حولها ثلاث دورات ثم عادل ودخل فيها ، فسألوه لماذا فعلت ذلك؟ فقال : إن صوت المجادلة كان لا يزال فى أذنى فقلت أخرجه من أذنى قبل أن ادخل قلايتى كى يكون عقلى داخل القلاية نقيا.
*تجلده فى الصلاة :
كان منفرداً فى جب جاف وكان بغير انزعاج فى مخاطبة الله بالصلاة ، وكان الشيطان يظهر له فى هيئة تنين عظيم يطوقه حول حلقة وينهش فى لحمه وينفخ فى وجهه بغير شفقة.
*احتماله الضيقات :
قال أنبا بيمن عن أنبا يوحنا القصير ، انه طلب إلى الله فرفع عنه الآلام وصار بلا هم ، فلما توجه إلى الشيخ قال له " ها أنا كما ترانى يا أبى مستريحاً ، وليست لى أشياء تقاتلنى بالجملة " ، فقال له الشيخ : " امض واسأل الله أن يرجع اليك القتال ، لأنه بالقتال تنجح النفس وتفوز" ، فلما جاءه القتال ، لم يصل كى يرتفع عنه ، بل كان يقول " اعطنى يا رب صبرا على الاحتمال ".
3 - أحاديثه :
+ مرة كان الإخوة جلوسا يأكلون على المائدة فى ( أغابى ) فضحك أحدهم ، فنظر إليه وبكى قائلاً :
" ترى ماذا خطر ببال هذا الأخ حتى انه ضحك هكذا ، انه كان يجب عليه البكاء ، لأنه يأكل طعام الصدقة ".
+ ومرة أخرى جاء إليه إخوة ليجربوه لأنه ما كان يسمح لفكره بحديث بشرى ولا كان يتلفظ بشئ من أمور العالم. فقالوا له : الشكر لله يا أبانا ، إن هذه السنة أمطرت أمطارا كثيرة ، وقد شرب النخل وروى وها هو يخرج السعف ليجد الإخوة حاجتهم منه لعمل أيديهم.. أما هو فقال لهم : " إن نعمة الروح القدس إذا ما حلت فى عقل إنسان أروته وجددته ليخرج أثمارا تصلح لعمل الله".
4 – أصوامه :
وقد بلغ الزهد به جداً حيث انقطع عن كل طعام وشراب أسبوعا مستمراً وإذا أكل لا يشبع خبزا وكان يردد قول معلمه: " لا تتكل على برك و تصنع أمرا تندم عليه وامسك لسانك وبطنك وقلبك".
5 – عمل اليدين وعطفه على الفقراء:
كان القديس فى أوقات الفراغ من صلاته وتأملاته يعمل فى صناعة السلال وذلك ليحصل على معيشته ومعيشة الإخوة الذين معه والفقراء الذين يوفدون إليه.
+ خرج مرة من قلايته ومعه سلال ليبيعها فى الريف فقابله جمال فى الطريق وطلب إليه أن يسلمه القفاف ليحملها عوضاً عنه. فأعطاها له وسار وراءه فى الطريق ، ثم سمع الجمال يغنى بأغان عالمية بذيئة ورأى حوله شياطين ، فترك السلال وعاد إلى البرية.
+ وكانت العادة فى زمن الحصاد إن ما يجمعه الشيوخ يحتفظون بنصفه والنصف الآخر يوزع للمحتاجين. أما القديس يوحنا فكان يعطى الكل ولا يبقى لذاته شيئاً.
+ سأله الإخوة مرة قائلين : يا أبانا هل يجب أن نقرأ المزامير كثيراً. فرد قائلاً : إن الراهب لا تفيده القراءة والصلوات ما لم يكن متواضعاً محباً للفقراء والمساكين.
6 – شفاء المرضى ومعرفة الخفايا:
+ ذهب القديس مرة إلى أحد الحقول فى زمن الحصاد ليجمع شيئا فقابله فلاح مصاب بمرض البرص وطلب منه أن يشفيه فأخذ القديس ماء وصلى عليه ورشمه باسم الثالوث الأقدس فشفى الرجل ومضى ممجداً الله.
+ ثم بعد قليل جاءته امرأة بها شيطان ردئ يعذبها كثيراً فتحنن عليها ووقف إلى جانبها يسأل الله من أجلها وحالا خرج منها الشيطان.
+ ومرة باع قففاً واشترى بثمنها خبزا وفيما هو سائر فى الطريق أمسكته امرأة عجوز وطلبت إليه أن يعطيها خبزا لها ولابنها الأعمى الذى كاد أن يهلك جوعا. فأعطاها كل الخبز الذى معه ثم طلب إليها أن تقدم ابنها إليه ولما قدمته صلى قائلاً : أيها الرب الإله الواحد وحده الساكن فى السماء الذى بإرادته نزل إلى الأرض وخلص شعبه من خطاياهم وصنع الآيات والعجائب بين خليقته وأبرأ المرضى وشفى البرص وفتح أعين العميان. أسألك الآن من أجل هذا الفتى الواقف أمامك أن تعطيه نوراً وبصراً " ورشم عينيه. فحالا أبصر فأخته أمه بفرح ممجدة الله ومخبرة بصنع القديس الذى فتح عينى ابنها الأعمى وأعطاها الخبز.
+ وقد ميز الله القديس يوحنا بمعرفة الخفايا فعندما كان يقدس الأسرار كان يعرف من يستحق التناول ومن لا يستحق ولهذا فإن كثيرين تابوا ورجعوا لله بكل قلوبهم.*
7- انتقال القديس
عند قرب انتقاله إلى المكان الذى هرب منه الحزن والكآبة وألم القلب ظهر له السيد فى رؤيا واعامه بهذا. وباكر الأحد جاءت إليه رتب الملائكة وطغماتها ولما رآهم القديس فرح كثيراً ووقف يصلى باسطاً يديه ووجهه إلى الشرق وأثناء ذلك فاضت روحه الطاهرة ومضى إلى النعيم الأبدى فى عشرين بابه ( 30 أكتوبر عام409 ميلاديه تقريبا)وله من العمر سبعون سنة. وقد نال منزلة الملائكة الأطهار والرسل الأبرار. وحين أتى تلميذه للبرية رأى نفس أبيه الطوباى بين صفوف الملائكة وأرواح القديسين وصل إلى قلاية معلمه وجده قد فارق الحياة فقبله وبكى كثيراً وكفنه بلفائف وذهب وأعلم السكان فأتوا وأخذوا الجسد الطاهر إلى المدينة ولما وصلوا باب المدينة إذا شاب به روح نجس صرخ قائلاً : " ارحمنى يا أبى القديس يحنس فانى فى عذاب شديد ". فحالا صرعه الشيطان وخرج منه وقام معافى
ثم أتى إنسان مفلوج ولمس الأكفان ووضع جزءاً منها على جسده وشفى وخرج يمجد الله ويخبر بما صنعه الله باسم القديس.
ولما أدخلوا جسد القديس للكنيسة والجميع يبكون عليه ويتباركون ويضعون أكفاناً أخرى إذا بأعرج أتوا به وطرحوه على الأكفان فحالا شفى ، وقام على رجليه وخرج أمام الجميع يشكر الله الممجد فى قديسه.
ثم بعد أن سبح الجماعة ورتلوا للرب بأصوات روحانية وشعيوا القديس فى تابوت من صاج وتركوه بجانب قديسين آخرين وهما أنبا اثناسيوس ييشاى وكانت تخرج من أجسادهم المقدسة قوة لشفاء كثيرين.
نقل جسد القديس الطاهر الى جبل القلزم بجوار السويس ثم اعاده الرهبان الى دير ابى مقار ثم الى ديره حتى تخرب فاعيد الى دير القديس مقاريوس ولا يزال محفوظا مع اجساد الثلاثه مقارات القديسين .
جاء فى السنكسار الاثيوبى ان الانبا مرقس خليفه الانبا يوحنا الرابع اراد ان يكسوا الجسد باكفان من حرير فما ان خلع عنه كفن الليف حتى حدثت زلزله فى الكنيسه وسقط بعض الرهبان والزوار ؛ فاعاد اليه كفنه الليف كما كان .
8- أعياد القديس
تحتفل الكنيسه بعيد نياحته فى 20 بابه وتذكار وصول جسده الطاهر الى شيهيت فى 29 مسرى .
اديره تحمل اسمه
1- دير انبا يحنس القصير ببريه شيهيت بوادى النطرون .
2- دير يحنس القصير بجبل المقطم شرقى طره ويعرف بدير البغل او دير القصير.
3- دير يحنس القصير بجبل انصنا بجوار ملوى .
*من كلماته
1- لا يوجد شىء انتن من الانسان الخاطى فالحيوانات حفظت رتبتها والانسان الذى خلق على صوره الله ومثاله لم يحفظ طقسه .
2- لا يُسر الشيطان بشىء مثل الانسان الذى لا يكشف افكاره ويقر بها امام ابيه اب اعترافه.
3- اذا اراد ملك ان ياخذ مدينه الاعداء فقبل كل شىء يقطع عنهم الشراب والطعام وبذلك يذلون فيخضعون له, هكذا شهوات الجسد اذا ضيق الراهب على نفسه بالجوع والعطش تضعف شهواته و يسود عليها .
4- كن حزينا على الذين هلكوا . كن رحيما على الذين طغوا . كن متالما مع المتالمين . مصليا من اجل المخطئين .
5- التواضع ومخافه الرب هما اعظم جميع الفضائل .
6- الزم القراءه افضل من كل عمل ؛ لانه ربما دار العقل فى الصلاه ؛ اما القراءه فإنها تجمعه.
بركة صلوات هذا القديس فلتكن معنا آمين.
via †† ارثوذكس †† https://ift.tt/33EyLS7
0 التعليقات:
Post a Comment