Thursday, March 31, 2016

جديد ارثوذكس : رحلتنا في الطريق الروحي وحياة القداسة؛ الجزء الثاني بداية الطريق والجذب الإلهي


+ رحلتنا في الطريق الروحي وحياة القداسة +
(الجزء الثاني)
(الجزء الأول من هنــــــــــــا)


+++ بداية الطريق والجذب الإلهي +++
من المستحيل أن يبدأ إنسان في المسير في طريق من نهايته، بل لا بُدَّ من أن يبدأ الطريق من بدايته، ويدخل إليه دخولاً شرعياً، والدخول الشرعي يبدأ من باب الطريق، لأنه لا يستطيع أحد أن يعبر من مكان آخر لأنه سيعتبر سارق ولص، وباب الطريق المؤدي للحياة قد أُغلق بسبب التعدي والسقوط، لأن من المستحيل أن ينظر أحد لشمس النهار بعينيه المجردتان لأنه سيصاب بالعمى، وهكذا لن يستطيع أحد أن ينظر وجه نور الحياة، أي وجه الله ويُعاينه وهو ظُلمة يحيا تحت سلطان موت الخطية، لأنه لن يصمد أمام النور، لذلك الرب قال لموسى: "لا تقدر أن ترى وجهي، لأن الإنسان لا يراني ويعيش" (خروج 33: 20)، وكل هذا بسبب الظلمة التي سيطرت على الإنسان حتى أنه لم يعد يحتمل النور، بل يهرب منه لأنه لا يحتمل قط الوجود في حضرته من شدة قوة بهاء القداسة المُطلقة التي تشع من طبيعته الفائقة.
لكن المسيح الرب أتى ليفتح لنا باب المجد ويدخلنا من خلاله إلى الآب: "أنا هو الطريق والحق والحياة، ليس أحد يأتي إلى الآب إلا بي" (يوحنا 14: 6)، فمن المستحيل أن نأتي إلى الآب إلا بالابن الوحيد، لأنه هو الباب المؤدي للحياة، فلن نقدر أن نفلت من الموت للحياة إلا في المسيح يسوع، لأنه مكتوب: "لأن ناموس روح الحياة في المسيح يسوع قد أعتقني من ناموس الخطية والموت" (رومية 8: 2)، لأننا لا نقدر أن ندخل إلى محضر الآب إلا لو عُتقنا من ناموس الخطية والموت، لأن في الحضرة الإلهية لا يوجد موت ولا خطية قط، لأن الله قدوس لا يتعامل أو يقبل شبه خطية، لأن بسبب طبيعته الكاملة في النقاوة لا يقدر أن يقترب إليه أحدٌ قط إلا من يتساوى مع قداسته وطُهره المُطلق، لذلك الابن الوحيد الذي في حضن الآب هو فقط الباب المؤدي إليه، ولم ولن يوجد غيره، لأنه يدخل إليه ببره الخاص وقداسته المتفقة مع طبيعته، لأنه واحد معه في الجوهر، لذلك لن نستطيع قط، تحت أي مبدأ أو شكل أو صورة أو مهما ما كان عندنا عظمة أعمال صالحة، أن ندخل للطريق المؤدي للحضن الإلهي الأبوي إلا بالمسيح يسوع ربنا وحده، بل ووحده فقط، فلم ولن يوجد طريق آخر قط غيره بشكل مُطلق.
وحينما نعي هذه الحقيقة ونؤمن بها سنجد أن الباب مفتوح على مصراعيه، لأن الرب الإله القدوس الظاهر في الجسد أعلن أنه هوَّ الباب الحقيقي: "الحق الحق اقول لكم أن الذي لا يدخل من الباب إلى حظيرة الخراف بل يطلع من موضع اخر فذاك سارق ولص، وأما الذي يدخل من الباب فهو راعي الخراف؛ فقال لهم يسوع أيضاً: الحق الحق أقول لكم إني أنا باب الخراف" (يوحنا 10: 1، 2؛ 7)
فالرب يسوع هو الباب والراعي في آنٍ واحد، وكل من يأتمنهم على الرعية دخلوا من خلاله إلى الحظيرة، وهو الذي عينهم تحت رعايته، لأن هو الراعي، وكل من يخدم فهو خادم رعويته، لا يقدر أن يزيد أحد على إرادته شيء أو يُنتقص منها شيئاً، بل كما يُريد يفعل وبعمل بكل دقة وتدقيق.
فالدخول للطريق المؤدي للحياة لا يأتي إلا عن طريق الباب الذي هو شخص ربنا يسوع الذي قال: "كل ما يُعطيني الآب فإليَّ يُقبل، ومن يُقبل إليَّ لا أخرجه خارجاً" (يوحنا 6: 37)، وكل حركة تنشأ فينا من نحو المسيح الرب، فهي ليست منا بل هي فعل جذب خاص نحو المسيح الرب وقت الافتقاد، ولننتبه لهذه الآيات المهمة للغاية لتتضح لنا الصورة:
+ كما يفتقد الراعي قطيعه يوم يكون في وسط غنمه المشتتة، هكذا افتقد غنمي وأُخلِّصها من جميع الأماكن التي تشتتت إليها في يوم الغيم والضباب (حزقيال 34: 12)
+ مبارك الرب إله إسرائيل لأنه افتقد وصنع فداءً لشعبه؛ بأحشاء رحمة إلهنا التي بها افتقدنا المشرق من العلاء؛ فأخذ الجميع خوف ومجدوا الله قائلين: قد قام فينا نبي عظيم وافتقد الله شعبه (لوقا 1: 68، 78؛ 7: 16)
+ لا يقدر أحد أن يُقبل إليَّ أن لم يجتذبه الآب الذي أرسلني وأنا أُقيمه في اليوم الأخير (يوحنا 6: 44)
+ لأنه لاق بذاك الذي من أجله الكل، وبه الكل، وهو آتٍ بأبناء كثيرين إلى المجد، أن يُكمل رئيس خلاصهم بالآلام؛ لان المقدِّس والمقدَّسين جميعهم من واحد (صاروا من طبيعة واحدة، لأنهم نالوا في المسيح طبيعة جديدة)، فلهذا السبب لا يستحي أن يدعوهم إخوة. قائلاً أُخبِّر باسمك إخوتي وفي وسط الكنيسة أُسبحك، وأيضاً أنا أكون متوكلاً عليه، وأيضاً ها أنا والأولاد الذين أعطانيهم الله (عبرانيين 2: 10، 13)
إذاً يا إخوتي أن لم ننتبه بكل تدقيق لعمل الله في حياتنا الشخصية، فأننا لن نعرفه ولن نحيا في الطريق المؤدي للحياة الأبدية بل سنظل تائهين متغربين عنه نتساءل أين الطريق، وسنسلك في طرق معوجة شكلها مستقيم، ولكنها ستضلنا عن الحق تماماً، فانظروا ودققوا لأن العمل إلهي بالدرجة الأولى وكل عملنا فقط أننا نؤمن ونطيع صوته ونسير وفق نداءه.
فأن أردت أن تتبعه أعرف الطريق الذي رسمه ووضعه كالتدبير، ولا تنظر للناس وتعتنق أفكارهم، ولا تعتمد على عمل ذراعك بقدرتك وتظن أن هذا يُرضي الله، فالله لن يرضى عنك وعني إلا فقط في المسيح يسوع برنا وخلاصنا وقيامتنا الحقيقية كلنا، فلا تحاول أن تدخل لله عن أي طريق آخر غير إيمانك بشخص المسيح الرب متكلاً على برّه الخاص وعمل قدرته فيك ليجعلك خليقة جديدة ويدخلك إلى حضن الآب فيه وحده حسب استحقاقه هوَّ لا أنت، لأنه قام وصعد بقدرته ليجلس بجسم بشريتنا عن يمين العظمة في الأعالي وعمله لا يحتاجني ويحتاجك لكي يَكْمُّل، لأنه كامل بسبب طبيعته هوَّ، لأن هو الذي قال قد أُكمل، فلا تظن أنك ستزيد شيء أو تنتقص شيء مهما ما فعلت.
فالله هو من يفتقدنا بمحبته الأبدية التي أحبنا بها، ويشدنا سراً بفعل جذبه الإلهي نحو الابن الوحيد، فحينما نذهب إليه لا يُخرجنا قط، بل يغسلنا ويطهرنا بفعل عمل دم كريم كما من حمل بلا عيب ولا دنس دم المسيح (1بطرس 1: 19)، لأننا حينما نلتقيه نرتمي عليه كمت نحن معترفين بخطايانا، وبكونه أمين وعادل فأنه يغفر لنا خطايانا ويطهرنا من كل إثم (1يوحنا 1: 9)، لأنه ليس بدم تيوس وعجول، بل بدم نفسه دخل مرة واحدة إلى الأقداس فوجد فداءً أبدياً (عبرانيين 9: 12)، لذلك فأنه قال في النبوة: وأُطهرهم من كل إثمهم الذي أخطأوا به إليَّ، واغفر كل ذنوبهم التي أخطأوا بها إليَّ، والتي عصوا بها عليَّ (أرميا 33: 8)، لذلك قال الرسول: "فكم بالحري يكون دم المسيح الذي بروح أزلي قدم نفسه لله بلا عيب، يُطهر ضمائركم من أعمال ميتة لتخدموا الله الحي" (عبرانيين 9: 14).
لذلك يا أحباء الله المدعوين للحياة، فالذي بذل نفسه لأجلنا لكي يفدينا من كل إثم ويطهر لنفسه شعباً خاصاً غيوراً في أعمال حسنة (تيطس 2: 14)، لأننا نحن عمله مخلوقين في المسيح يسوع لأعمال صالحة قد سبق الله فأعدها لكي نسلك فيها (أفسس 2: 10)، هو من دعانا للحياة الأبدية بفعل جذبه الخاص لكي يجعلنا أبناء له حسب قدرة عمله فينا بروحه القدوس، لذلك فأن المسيح الرب هو الباب المؤدي إلى الآب أن لم ندخله فأننا لن نرى الحياة قط مهما ما فعلنا من أعمال صالحة وتممنا كل برّ، وفعلنا كل ما هو صالح وجيد، لأن بدون المسيح ابن الله الحي لن يكون لنا رجاء ولا مواعيد ولا ميراث حياة الأبد، لأننا أن لم نصر أبناء فيه فأننا مائتين عن الحياة وستظل متغربين عن الله إلى الأبد نبحث عن نجاه ولا أمل ولا نور ولا قيامة ولا حياة، وكل هذا لأننا لن نقدر أن نصنع برّ أو نشع قداسة لكي نصير مؤهلين أن ندخل للحضرة اإلهية ونستحق أن نأخذ شيئاً، لكن على حساب برّ الله بالإيمان بشخص المسيح ننال كل شيء، لأن المسيح الرب هو المستحق، أو هو صار لنا باب الاستحقاق لننال كل العطايا الإلهية، وبدونه لا نقدر أن ننال شيئاً قط، لأن به لنا ثقة باسمه أن نحصل على كل شيء، لذلك علينا أن ننتبه لكلام الرب يسوع الذي لم يفهمه الكثيرين حينما قال:
وفي ذلك اليوم لا تسألونني شيئاً، الحق الحق أقول لكم أن كل ما طلبتم من الآب باسمي يُعطيكم، إلى الآن لم تطلبوا شيئاً باسمي، اطلبوا تأخذوا ليكون فرحكم كاملاً. قد كلمتكم بهذا بأمثال ولكن تأتي ساعة حين لا أكلمكم أيضاً بأمثال بل أخبركم عن الآب علانية، في ذلك اليوم تطلبون باسمي، ولست أقول لكم إني أنا أسأل الآب من أجلكم، لأن الآب نفسه يحبكم لأنكم قد أحببتموني وآمنتم إني من عند الله خرجت، خرجت من عند الآب وقد أتيت إلى العالم وأيضا أترك العالم وأذهب إلى الآب. (يوحنا 16: 23 - 28)
لذلك يا إخوتي نحن لا نأتي إلى الآب لنتوسل ونقول (علشان خاطر يسوع أعطينا)، هذا فكر غير سليم بسبب ضعف رؤية الخلاص ومعرفة عظمة المجد الذي نلناه فيه، لأننا ندخل إلى حضرة الآب القدوس في المسيح يسوع وباسمه بكل ثقة ويقين، فهو يرانا فيه وباسمه صار لنا حق البنين، لأننا انتسبنا إليه بسبب تجسده، لذلك الكنيسة المنفتحة بالروح أضافت على الصلاة الربانية في الختام (بالمسيح يسوع ربنا)، وهي في الواقع ليست إضافة إطلاقاً، لكن بسبب الوعي أن صلاتنا مضمون استجابتها فيه، فمعنى اسمه أنه وسيط العهد بيننا وبين الآب وفيه لنا المواعيد العظمى والثمينة التي بها صرنا شركاء الطبيعة الإلهية، لا من قدرتنا وأعمالنا بل بسبب وحدته الخاصة معنا حسب مسرة مشيئة الآب آبانا وسيد كل أحد.
___________________________
في الجزء الثالث سنتحدث عن: كيف نبدأ الطريق وندخل إليه


via †† ارثوذكس †† http://ift.tt/1SClygH

0 التعليقات: